في أحد أيام سنة 2012، قفز إلى الواجهة حادث مثير يبدو أنه قفز بدوره من الخيال إلى الواقع، إلى درجة أن الناس اعتقدوا أن الأمر يتعلق بمزحة أو كذبة أبريل.
الحادث وقع في مدينة ميامي بالولايات المتحدة الأمريكية، ومفاده أن شخصا غريبا ضُبط وهوة يفترس جسد أحد المتشردين، ولم يكن المتشرد ميتا، بل حيا، بينما المفترس كان يلتهم وجهه، قبل أن يتم قنصه من طرف قوات الأمن.
التحريات التي أجرتها مصالح الأمن الأمريكية بيّنت أن المفترس استطاع افتراس قرابة 80 في المائة من وجه الرجل المتشرد، ولو أنه طال به الوقت قليلا لانتقل إلى افتراس أجزاء أخرى من جسد الرجل.
الذين سمعوا هذا الخبر لم يصدقوه في البداية، ثم انتظروا بعض الوقت لكي يفهموا ما جرى، فليس من السهل أن يصدق الناس أن البشر تحولوا فجأة إلى آكلي لحوم بعضهم البعض.. صحيح أنهم يأكلون لحوم بعضهم صباح مساء، لكن ليس بهذه الطريقة المباشرة والحيوانية.
التحقيقات التي أُجريت بعدئذ بيّنت أن الشخص المفترس كان قد تناول لتوه مخدرات خطيرة تسمى
“كانيبال دروغز”، أي المخدرات المتوحشة، وهي كانت حديثة الظهور وقتها.
اليوم، يبدو أن المخدرات المتوحشة صارت واقعا مرا يهدد بلدانا كثيرة، ورغم أنها ظهرت لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها انتشرت كما تنتشر الرياح وغزت مختلف القارات، وها هي اليوم تدق أبواب المغرب.
آخر البلدان التي دقت نواقيس الخطر حول هذا المخدر الخطير هي إسبانيا. فخلال الأسابيع القليلة الماضية، حدثت أشياء غريبة في عدد من المدن الإسبانية، أبطالها شباب إسبان أو سياح جاؤوا من مختلف بلدان العالم، والذين تناولوا هذا المخدر، فتحولوا فجأة إلى وحوش حقيقية خارجة عن السيطرة بشكل مطلق، إلى درجة أن الواحد منهم يحتاج إلى أكثر من 10 من أفراد الشرطة لإيقافه.
في مدينة “إيبيزا” الإسبانية، وخلال الأيام القليلة الماضية، حدثت أشياء يصعب تصديقها. كان هناك أشخاص في حالة غريبة من الانهيار العقلي والتوحش وهم يتجولون في الشوارع ويطاردون المارة في محاولة عضهم، والعضة الأولى تقود إلى الافتراس حتما. ويقول أمنيون وخبراء إسبان إن هذا المخدر يترجم واقع الإسم الذي يحمله، وهو المخدر المتوحش، لأن أي شخص يتناوله يتحول إلى متوحش حقيقي وقادر على إيذاء المحيطين به إلى درجة القتل.
هناك خاصية مرعبة أخرى في هذا المخدر، وهو أن متناوله يفقد أي إحساس بالبشاعة أو الألم، وعندما لا يجد مستهلك المخدر من يعضه، فإنه يفترس نفسه، لذلك فإن عددا كبيرا من مستهلكي هذا المخدر في الولايات المتحدة الأمريكية فقدوا أجزاء من أجسادهم لأنهم أكلوا لحوم أذرعهم أو أفخادهم. وهناك مستهلكون أكلوا اللحم وصاروا “يُمشّشون” العظم، وفي كل ذلك لم يحسوا بأي وخز ألم.
هناك حكمة قديمة تقول إنه إذا رأيت الحلاق يقص شعر جارك، فضع رأسك في الماء، لأن دورك آت لا محالة، لذلك يجب أن نستعد ليوم آت لا ريب فيه، خصوصا وأننا صرنا بلدا مفتوحا عن آخره أمام كل أشكال المخدرات والموبقات.
مسيرتنا مع المخدرات في المغرب طويلة ومثيرة. بدأنا بالكيف ولنا إنه مخدر لطيف و”شعبي” ولا يضر ولا ينفع، بل إنه ينفع حين يهدئ من روْع الشعب ويجعله يعتقد أن الأشياء بخير وأن المستقبل سيكون بالتأكيد أفضل من الحاضر.
ذهب الكيف وذهب معه المستقبل، وظهرت أصناف أخرى من المخدرات مثل “الجّْوانات” التي صار مفعولها أكثر وأكبر، إلى درجة أن مغربيا من بين خمسة استهلكوها أو جربوها يوما.
بعد أن صارت “الجّْوانات” موضة قديمة، تقريبا، دخلنا عهدا جديدا بأصناف متطورة ومثيرة من المخدرات، إلى أن وقفنا اليوم عند الكوكايين والهيروين ومشتقاتهما، وهي مخدرات خربت مئات الآلاف من بيوت المغاربة، وتسببت في مآسي اجتماعية وأخلاقية ومادية بلا عد ولا حصر، ومع ذلك لم نعتبر ولم نقرر ما نحن فاعلون.
في كل ما جرى لم تحرك الدولة ساكنا أمام استفحال المخدرات وظلت تلعب معه لعبة “القط والفأر”.. على طريقة “طُوم وجيري”، إلى درجة أن تجارا كثيرين للهيروين والكوكايين صاروا أعيانا ومسؤولين ومنتخبين كبارا يرسمون خرائط مستقبل المغرب وشعبه.
في أكثر من مرة قلنا إن الإعدام هو الحل لتجار المخدرات القوية، وفي كل مرة يخرج الناعقون والمرضى الحداثيون لكي يقولوا إن الإعدام عقوبة متوحشة.
هاهي المخدرات المتوحشة وصلتكم إذن، فانظروا ما أنتم فاعلون، ثم قارنوا من الأكثر توحشا، هل عقوبة الإعدام أم هذه المخدرات المرعبة.