في برنامج تلفزيوني بقناة “فرانس 24″، كان هناك ثلاثة ضيوف، ضيفة يهودية، أو بالأحرى مواطنة إسرائيلية كما وصفت نفسها، وضيفة لبنانية، وضيف مصري، والموضوع هو جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
سأل المذيع الضيفة اليهودية، واسمها ياعيل لير، عما يجري فعبرت عن أسفها ووصفت إسرائيل بأنها تمارس جرائم حرب ووصفت الضحايا الفلسطينيين بأنهم شهداء، ولم يلتو لسانها وهي توجه أقذع الانتقادات لسلطات فرنسا التي منعت مظاهرات مناوئة للجرائم النازية في غزة.
كان مثيرا حقا أن تتكلم اليهودية ياعيل بتلك الطريقة، ويبدو أنها لم تترك للضيف المصري ما يقوله. بعد ذلك تحدثت الضيفة اللبنانية، وهي خبيرة دولية في القانونية، والتي اعتبرت أن منع فرنسا للمظاهرات ضد النازية الإسرائيلية لا تمت للقوانين الدولية بصلة.
أخيرا جاء دور الضيف المصري، واسمه مصري الفقي. بدأ هذا الضيف مباشرة بوصف حركة “حماس” بأنها إرهابية، وشتمها عدة مرات في أقل من 15 ثانية، وانتفخت أوداجه مثل غياط محترف وقال إن الصواريخ التي يلقيها الفلسطينيون على إسرائيل هي جرائم حرب، ثم جال ومال في كرسيه وحدق بخبث في الضيفة اليهودية وكأنه سيبقر بطنها غضبا لأنها وصفت الفلسطينيين بالشهداء.
يبدو هذا المشهد، لمن لم يره، سرياليا وغير واقعي بالمرة، لكن من أراد أن “يستمتع” به فليبحث عنه في موقع القناة أو على “اليوتوب”، وهناك سيجد أشياء كثيرة أخرى.
الصهيونية كما عرفناها من قبل لم تعد كما هي. في الماضي كنا نلصق الصهيونية باليهود أو الإسرائيليين، بعد ذلك بدا أن هناك يهودا، رغم أنهم قلة، ضد الصهيونية، غير أن الصهيونية التي فقدت بعض يهودها ربحت كثيرين آخرين من خارج الدين اليهودي، وأغلبهم عرب.
المصري الذي كان يتكلم في ذلك البرنامج بدا وكأنه شارون نهض من قبره، وحتى لو نهض شارون وموشي دايان وغولدا مايير وهرتزل ومناحيم بيغين من قبورهم وتحدثوا في ذلك البرنامج فإنهم لم يكونوا ليقولوا في الفلسطينيين ما قاله ذلك المصري.
ويوم الأحد الماضي، شارك مئات الآلاف من المغاربة في مسيرة بالرباط غضبا من المجازر النازية الإسرائيلية في غزة. من بين الذين شاركوا في المظاهرة مغربي يدعى منير كجي، ويبدو أن كجي لا يشبه المصري الفقي، لأنه شارك في مظاهرة التنديد بالمجازر النازية في غزة، بل إن كجي بدا غاضبا ومستاء جدا، ليس من المجازر في حد ذاتها، وليس لأشلاء الأطفال والنساء، وليس للمشاهد المرعبة لأسوأ جرائم الحرب في تاريخ البشرية، بل كان مستاء لأن مظاهرة الرباط رفعت شعارات غير متسامحة.
منير كجي اعتبر بعض الشعارات لا ترمز لروح التسامح الحضاري. صحيح أن الإسرائيليين، منذ أن بدؤوا مجازرهم قتلوا عددا قياسيا من الأطفال، وهو ما لم يفعله هتلر نفسه، لكن كجي اعتبر أن الشعارات يجب أن تكون متسامحة وترمز لروح الحوار، تماما كما ترمز له صواريخ وقنابل إسرائيل التي تمطر فوق رؤوس الفلسطينيين 24 ساعة على 24.
صاحبنا كجي يبدو أنه لم يسمع عن شعارات الإسرائيليين، وربما لم يسمع المقولة الإسرائيلية الشهيرة التي تقول إن الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت، ولم يسمع عبارة تقول “اقتل اثنين برصاصة واحدة”، وهي دعوة لجنود إسرائيل والمستوطنين باستهداف النساء الفلسطينيات الحوامل برصاصة واحدة لأنها ستقتل الأم وجنينها معا. صاحبنا كجي لم يسمع بأشياء كثيرة في ماضي وحاضر وتاريخ إسرائيل، لذلك يغضب من شعارات مظاهرة غاضبة جمعت كل أطياف المجتمع المغربي. إنه غاضب من شعارات المغاربة لكنه لم يغضب يوما من شعارات الصهاينة، بل يفخر لاستدعائه من طرف مركز موشي دايان بجامعة تل أبيب ويصف المقاومة بالإرهاب.
منير كجي يصف نفسه بأنه ناشط أمازيغي، وهذه الصفة لعب بها البعض لتشويه صورة الأمازيغية، لأن شخصا يفخر باستدعائه من مركز موشي دايان، ويصف الفلسطينيين بالإرهابيين، ولا يدين إرهاب إسرائيل، هذا الشخص لا يمكن أن يعتبر نفسه أمازيغيا، بل وصمة عار في جبين الأمازيغ.
لنعط مثالا لمنير ومن يشبهه. الباسكيون في شمال إسبانيا يعتبرون أمازيغ بطريقة ما، وهم أوربيون مسيحيون، وفي مظاهراتهم المطالبة بالانفصال يخرج كثير منهم بالكوفية الفلسطينية ويرفعون أعلام فلسطين، ولم يسبق لأحد منهم أن زار مركز موشي دايان في تل أبيب للدفاع عن قضيته، لأنهم يعتبرون إسرائيل دولة متوحشة.
هناك مسألة أخرى يجب أن يعيها منير كجي وأمثاله، وهي أن فلسطين ليست قضية عربية إسرائيلية، بل قضية إنسانية، إنها صراع بين الهمجية والإنسانية. افهموا هذا لمرة واحدة في حياتكم وستعود إليكم عقولكم المفقودة.