
محمد الطيبي، أو خيسوس ماريا ديلا أوليفا.. اسمان لشخص واحد قد لا تتكرر قصة حياته الفريدة مع أي شخص آخر، فالطفل الذي ولد في أربعينيات القرن الماضي بإحدى القرى الجبلية بمنطقة العرائش، سيجد نفسه وسط مغامرة تتلوها مغامرات، مؤلمة في أغلب الأحيان، ومضحكة في مناسبات قليلة، أما في مرات أخرى، فيصر صاحبها على تحويل مبكياتها إلى مضحكات..
حياة قاسية قضاها الطيبي منتقلا بين القرى الجبيلة، باحثا عن حنان لم يكد يعرفه يوما بعدما انفصل والداه مبكرا، ليدخل مرحلة توهان عاطفي اقتادته إلى حضن أسرة إسبانية، لتتدخل يوما ما يد “مخزنية” قاسية، ستزيد من الأمر تعقيدا وسترمي به دون أن يدري إلى الكنيسة وعوالم التنصير.. هي رحلة طويلة وغريبة لهذا الشخص وسط عالم المسيحية، والأغرب منها إصراره على أنه كان “راهبا مسلما”.
لكنه ما كاد يخرج من هاته المغامرة حتى دخل في مغامرة لا تقل غموضا، عندما انضم إلى الجيشين الإسباني والمغربي، وبينهما سيقوده حظه الغريب إلى وحشة المعتقل السري ورعب انقلاب الصخيرات، ملتقيا بأسماء لطالما تحدث عنها التاريخ الأمني والعسكري للمغرب، غير جازم في أي خانة تصنف…
الحلقة التاسعة والعشرون:
هناك في سرقسطة ستلتقي بالسيدة التي ستصبح زوجتك، والتي كان لها فضل السبق في محاولة التعريف بقصتك، تحدث لنا عن ذلك؟
كان ذلك قبل 15 أو 16 سنة، حيث التقيت بالسيدة فاطمة الوكيلي، التي قدمت إلى إسبانيا كمهاجرة، وكان هدفها التوجه إلى إيطاليا، وكانت قد منحت تأشيرة لا تتجاوز 20 يوما لكنها تجاوزتها، وقد التقيت بها صدفة، حيث كانت في مقهى، ودخلت أنا إلى هناك، حيث سيحدثها ومرفقيها مهاجر مغربي قائلا “هذا الإسباني يتقن العربية أفضل منكم”، وكان يتحدث عني، فاهتموا بالحديث معي، فعلمت أن هدفها في الأصل كان مواصلة دراستها الجامعية في إيطاليا، حيث يوجد أفراد من أسرتها، وكانت تدرس سابقا في جامعة القاضي عياض بمراكش، لكن وجودها في إسبانيا جعلها تفكر في البحث عن عمل.. عموما توطدت علاقتنا وتزوجنا، رغم أني كنت أكبر منها بـ25 عاما، فقد كانت هي في السادسة والعشرين.
وقد أنجبنا طفلين هما إسماعيل وإلياس، وصار همي الآن أن ينشؤوا مسلمين منذ نعومة أظفارهم، وأنا أيضا صرت أكثر مداومة على فروض الإسلام، لأكون قدوة لهم، فأنا لا أريد أن يتكرر معهم ولو جزء من قصتي، رغم أني مصر على كوني لم أفارق الإسلام لحظة واحدة، إنما هي الظروف العصيبة التي كانت فوق طاقتي.
هذا الأمر دفعك أيضا للعمل على نشر الإسلام في إسبانيا؟
نعم، فقد صرت أجاهر بكوني مسلما، وبدأت أعرض الدين الإسلامي على أصدقائي ومعارفي.
سلكت أيضا مسارا آخر، هو تتبع سبل التنصير للتحذير منها، كيف ذلك؟
لم اكن أتوقع أن موجة التنصير في المغرب ستكبر أكثر مما كان يحدث في عهد الاستعمار، وهذا الأمر أصابني بالقلق، كوني متأكدا من أن التنصير في بلادنا تكون له أسباب أخرى غير الاقتناع العقدي، أهمها الفقر، والكنائس الأوروبية بدأت تولي اهتماما أكبر للعالم الثالث، بعدما فقد جل المواطنين الأوروبيين إيمانهم بتعاليم الكنيسة لصالح دين “المادة والمصلحة الدنيوية”، إنها أشبه بتجارة، حيث تبحث الكنيسة عن زبائن جدد لترويج منتوجها العقدي.
لذا قررت ان أهب ما تبقى من حياتي، ووفق مجهوداتي الذاتية، للتحذير من خطورة التنصير انطلاقا من تجربتي، واتخذت من الإنترنيت فضاء لمواجهة المبشرين بنفس أسلوبهم، حتى أني سميت نفسي “مبشرا بالإسلام”، في رد على أفغاني وصف نفسه بـ”المبشر بالمسيحية”.
أنت تركز بشكل كبير على رشيد المغربي الذي يقدم برامج تبنصيرية على قناة “الحياة” المتخصصة في الطعن في الدين الإسلامي، حدثنا عن ذلك؟
لقد قررت بمفردي أن أواجه هذا الشخص بأي طريقة، ولو عبر الإنترنيت، وإن كنت أعي فارق الإمكانات المادية بيننا، لكنني استند على دراستي لمختلف المذاهب المسيحية، بما فيها القبطية وجماعة شهود يهوه واليوم السابع والمورمون، وغيرها من الطوائف الآخذة في التوسع، كل ذلك بمجهودات شخصية، حيث تمكنت من الوقوف على مجموعة من المتناقضات العقدية بين المذاهب والفرق المسيحية المختلفة، وبين الفرقة الواحدة نفسها.
حدثنا على بعض هاته التناقضات؟
إنها تناقضات تصل حد تكفير الطوائف لبعضها البعض، فمثلا، منتسبو طائفة “شهود يهوه”، يقولون إن يسوع لم يمت على الصليب، بل على ركيزة ويداه مقيدتان للوراء، أما الكاثوليك فيقولون إنه مات على الصليب، فكيف لهؤلاء الذين لم يستطيعوا الاتفاق على طريق موت “ابن الرب” أن يتفقوا على أمور أخرى، وكيف يستطيعون تفسير بعض الأمور كمعاتبة يسوع للرب وهو ينازع الموت ويلومه على تعذيبه؟ فلماذا يسبب الله لابنه أو نبيه كل هذا العذاب قبل أن يموت؟ في النهاية وجدت أن العبارة القرآنية “وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم” هي وحدها المقنعة والمنطقية.
لنعد إلى رشيد المغربي ورسالتك وأسئلتك له.
رشيد تعرفت عليه صدفة بعدما تابعت إحدى حلقاته، فقررت بعث رسالة له مفادها أنه يتبع مصلحة دنيوية، ودليلي على ذلك أنه يستعمل الشتم والكذب لإيصال خطابه، فالمسيحيون الحقيقيون كما عرفتهم يحرمون الكذب والكلام الخبيث تحريما مطلقا.
وعندما اطلعت على ترجمته المحرفة للقرآن إلى الدارجة المغربية، والتي فسر فيها عبارة “في جيدها حبل من مسد”، في آخر سورة المسد، بأنها كلام نابٍ، وبعدما جعل هذا التحريف دليلا ضد القرآن في مقابل الصلاة المسيحية المليئة بالمحبة حسب قوله، طلبت منه أن يترجم لي بالدارجة عبارة عادية قالها يسوع للرب وهو على الصليب عندما كان يردد “إيلي إيلي لماذا تركتني”، ومعنى “إيلي” هو “يا إلهي”، وهو السؤال نفسه الذي عجز رهبان الكنيسة عن الإجابة عنه.. كما رفض هو إجابتي إلى حدود الآن.
لقد تابعت الكثير من حلقاته، وكان يطعن في الإسلام والنبي عليه الصلاة والسلام والصحابة الكرام، مستغلا أمورا قد تلتبس على الذين لا يحسنون فهم النص الديني، ويستغل هو ذلك لتقديم تأويل محرف، وأنا دائما أدخل على صفحته في الفيسبوك في محاولة لدحض مزاعمه.. لكن هنا لا يفوتني لوم أولئك الذين همشوا العربية في بلاد المسلمين، ومنها المغرب، فهؤلاء ساهموا، بقصد أو بغير قصد، في نشر المسيحية، بعدما صار الكثيرون عاجزين على فهم لغة القرآن الكريم.
ما حكاية الوثيقة التي تحملها دوما معك خوفا من الموت فجأة؟
لقد سيطرت علي فكرة أن أموت فجأة فأدفن في غير مقابر المسلمين، وعندما كنت أستعد لإبرام عقد الزواج الشرعي في برشلونة، كان علي أن أعد شهادة الإسلام ليتم الأمر بشكل رسمي، فأعددتها، وصرت أحملها في جيبي دائما أينما أذهب، حتى إذا مت بعيدا عن أهلي يوما ما أُغسل وأُدفن وفق الطريقة الإسلامية، وقد أكدت فيها على إسمي الأصلي وهو محمد، وكنت قد أعددت وثيقة أخرى هنا في المغرب، تثبت إسلامي، ساعدتني حركة التوحيد والإصلاح على الحصول عليها من قسم التوثيق بوزارة العدل، وهي مجانية ليست كنظيرتها التي أعددتها في المركز الإسلامي لبرشلونة.
لا توجد تعليقات
j’ai adoré l’histoir et j’aurais aimé s’il y avait plus d’épisode