الإحصائيات “الشعبية” تقول إنه إذا صعدت في حافلة فيها سبعون راكبا فإنك ستجد على الأقل خمسة من الركاب السود، وخمسة وعشرون آخرون يقتربون من السمرة، أي قهوة بالحليب، وفي أحيان كثيرة تجد العدد أكبر بكثير من ذلك، حسب المناطق التي توجد فيها الحافلة الشعبية.
وإذا دخلت مقهى فإنك ستجد النادل أسود، أو ربما الذي يعد القهوة، وإذا لم يحالفك الحظ في ذلك فانظر حواليك فإنك ستجد عددا مهما من الزبناء قربك سودا أو سمرا.
وإذا دخلت إلى إدارة فإن ستجد آخرين، وربما تحتج على موظف أشقر يشبه العلوج لا يعرف عمله وتطلب لقاء رئيسه، وعندما تدخل المكتب تجد شابا أسودا بربطة عنق أنيقة يقف في انتظارك. عند ذلك أنت وزهرك.. فالعقول بلا ألوان.
المغاربة إذن جنس مختلط في كل مكان، ومجتمع فيه أيضا الكثير من الحزازات، لكن الواقع يعلو ولا يعلى عليه.
المكان الوحيد الذي لا يمكن أن تجد فيه مغاربة سود هو شاشة التلفزيون. أما السبب فهو بسيط. فالتلفزيون المغربي لم يعكس يوما واقع المجتمع سواء بسياسته أو بأعراقه أو بمعارضته أو بغوغائه. لذلك ليس من الغريب ألا نجد في تلفزيون المغرب بقناتيه الرسميتين الوحيدتين، القناة الأولى والقناة الثانية، أي وجود لوجه أسمر، باستثناء وجه المعلق الرياضي سعيد زدوق الذي تذوق السمرة فقط ولم يشربها.
المغاربة لا يذكرون أنه، ومنذ أن دخل التلفزيون بيوتهم، شاهدوا مغربيا أسود أو مغربية بلون “الشوكولاته” يقدم نشرة الأخبار أو برنامجا معينا ناجحا أو حتى النشرة الجوية.
هل التلفزيون إذن عنصري؟ ربما يكون الجواب لا، لأن المسؤولين عادة ما يحبون الشقراوات. والفيلم الأمريكي الشهير “الرجال يفضلون الشقراوات” أكد ذلك، ومدراء التلفزيون كانوا دائما من الرجال، أو هكذا بدوا دائما. وهو يعيّنون هاته أو تلك وفق مسطرة بيولوجية خاصة. وعمليات اختيار المذيعات أو صنع نجمات يتم عادة وفق مواصفات شخصية، ولننظر إلى الوجوه الحالية في التلفزيون لنعرف. فالمذيعات الجديدات يشبهن دميات يعملن بالبطارية، لكنها بطاريات قوية تستمر وتستمر حتى ما بعد العشاء، بل حتى ما بعد النشرة الأخيرة، وأحيانا تعمل بالتوقيت الليلي المستمر.
أما الذين يجلسون خلف الشاشة الصغيرة من المتفرجين البسطاء وينتظرون أن يرحمهم الله بوجه مليح من بنات قوم عيسى، كما قال ناظم الغزالي، فربما لن يتحقق لهم ذلك لأن المسؤولين عن الشاشة لم تصلهم بعد تكنولوجيا الألوان، وما زالوا يعملون بالنظام القديم، أي الأبيض والأشقر. وهو نظام طلع فالرّاس. ولا حول ولا قوة إلا بالله.