هناك مغاربة يخافون فعلا من “داعش”، والغريب أن الخوف وصل إلى درجة أن هناك أمهات تُخفن أطفالهن بـ”داعش” إذا رفضوا النوم أو الامتثال للأوامر.
مرة قال أب، بنبرة حزينة، إن ابنته البالغة، التي اعتقد أنها صارت امرأة ناضجة، أصبح النوم يطير من جفونها حين تتذكر “داعش” في عز الليل. والمشكلة أنها صارت تحلم بـ”داعش” وتقفل النوافذ جيدا.
الدخول المدرسي أيضا على الأبواب، ومن الأكيد أن أول موضوع سيبدأ التلاميذ الحديث حوله هو موضوع “داعش”، وسيكون الكثير من المعلمين والأساتذة ملزمين بتفسير ظاهرة “داعش” لتلاميذهم، رغم أن هذا التنظيم لم يدخل بعد في المقرر الدراسي.
في كل مناطق المغرب صارت داعش “قضية وطنية”، فالناس يتحدثون عن هذا التنظيم أكثر مما يتحدثون عن ريال مدريد والبارصا، وفي كثير من الحالات يكون التحاق مقاتلين مغاربة جدد بداعش أهم بكثير من التحاق لاعبين مشاهير بالبارصا والريال. إنها مشكلة جديدة لم نتوقعها أبدا.
التقارير الاستخباراتية الدولية تقول إن عدد المقاتلين المغاربة في صفوف “داعش” يفوق الثلاثة آلاف، دون احتساب المغاربة المستقرين في بلدان أوربية أو الحاملين لجنسيات أجنبية. هناك شباب تركوا أبناءهم في شهورهم الأولى وزوجات قبل العشرين وذهبوا لإقامة الخلافة الإسلامية في العراق والشام. يقولون إنهم ذهبوا للموت في سبيل الله، لذلك تركوا الزوجات والأبناء والأمهات بلا معيل غير الله.
الناس يخافون من “داعش” ولا يعرفون سر لغز هذا التنظيم العجيب. لا يعرفون كيف ظهر فجأة شباب بلحى مسترسلة وبنادق أطول منهم وهم يهددون الولايات المتحدة الأمريكية باقتحام البيت الأبيض في أي وقت. الناس لا يفهمون أيضا كيف أن مجموعات مقاتلة عشوائية سيطرت فجأة على نصف سوريا ونصف العراق. إنه لغز شبه “سكيتش” رمضاني.
في كثير من الأحيان تحدث مشاجرات دموية في مدن مغربية كثيرة ويسقط قتلى وجرحى. لكن الناس لا يأبهون بذلك ويتوجهون إلى منازلهم لمشاهدة أخبار “داعش” التي تصيبهم بالعرب، بينما الرعب على أبواب بيوتهم، لكن الرعب البعيد الذي تروج له وسائل الإعلام يبدو أخطر بكثير من الرعب على عتبات المنازل. أحيانا تنفجر “بوطة” صغيرة فيصاب الناس بالهلع، ليس لأن “البوطة” انفجرت، بل لأنهم يخافون أن تكون داعش قد وصلت.
“داعش” ظاهرة يتحدث عنها الجميع ولا يكاد يفهمها أحد. الناس لا يفهمون كيف نشأت دولة الخلافة الإسلامية على الطريق الوطنية ما بين الشام والعراق، وصار خليفة المسلمين، أبو بكر البغدادي، يطلب من المسلمين في كل مناطق العالم الإسلامي الالتحاق بها، بينما لا أحد يعرف عنوانها بالتحديد. الناس يعرفون فقط أن “داعش” موجودة داخل الأعلام السوداء وفوهات البنادق وسيارات “طويوطا” الخشنة والملابس الأفغانية.. وما عدا دلك لا شيء على الإطلاق.
لكن، رغم كل ذلك، فإن الخلافة الإسلامية تغري الكثيرين، لذلك التحق بها آلاف الشباب مثل فراشات ملونة عمياء اجتذبها دفئ لا تعرف هل هو نور أم نار. الكثير من المتحمسين للخلافة الإسلامية وجدوا في “خلافة داعش” تحقيقا لإرادة ربانية، لكنهم غفلوا عن جانبها الآخر، وهو أن الكثير من الأنظمة العربية تحب “داعش” أيضا لأن هذا التنظيم الغرائبي سيخلصها من آلاف المتمردين، الذين عليهم إما أن يموتوا في المعارك أو يعودوا يوما إلى بلدانهم الأصلية، حيث ستكون السجون في استقبالهم، وهذا أحسن ما تتمناه الاستخبارات العربية.
عموما فإن تنظيم “داعش” لم ينزل من كوكب آخر، إنه يتألف من شباب عاشوا كما عاش كل الناس في مجتمعاتهم، ثم خرجوا منه كما تخرج الشعرة من العجين. أحيانا تمضي جلسة مسائية مرحة مع صديق أو رفيق يمزح ويتحدث عن الكرة والبحر، وبعد يومين يقال لك إنه رحل عند “داعش”.. كما لو أنه ذهب إلى المحلبة الموجودة في الشارع المجاور، ثم تراه بعد أسابيع وهو يحمل رؤوسا مقطوعة لخصومه ويرسم ابتسامة عريضة على وجهه كأنه يلتقط صورا مع رؤوس أفاعي، مع أن القاتل مسلم والمقتول مسلم.
“داعش” صارت مُغرية أكثر من المتوقع، والذين يقاتلون في صفوفها لم يأتوا من كوكب آخر أو رمتهم آلات الزمن من زمن غير زمننا. إنهم أناس حلموا بأشياء كثيرة فلم يتحقق لهم شيء فقرروا أن يحققوا أحلامهم بطريقتهم الخاصة، وكثيرون هربوا من أنظمة “داعشية” كبرى للالتحاق بتنظيم “داعش” الصغير.
حتى الآن، فإن أكبر إنجازات “داعش” هو تشجيع البر بالوالدين. فالأم الغاضبة تقول لطفلها المتمرد “والله يامّيمْتك حْتى نعيّط لداعش”، فيتحول الطفل العاق إلى ولد وديع.