أسبوع فقط يفصل عن نهاية عملية الإحصاء العام للسكان والسكني، وهي العملية التي عبأت لها الحكومة المغربية إمكانيات مالية ضخمة قاربت 90 مليار سنتيم، وكذا حملة إعلامية كبيرة من أجل حث السكان على المشاركة.
غير أن بداية العملية سرعان ما كشف عن مجموعة من العراقيل، تتلخص في حدوث اعتداءات جسدية ولفظية خطيرة، وتحرشات طالت مشاركات في العملية، يضاف إليها امتناع البعض عن استقبال العاملين في الإحصاء، وتقديم آخرين لمعلومات مضللة.
امتناع وذرائع شتى
يقوم باحث في الإحصاء بالطرق على باب منزل في حي بطنجة، تطل سيدة من نافذة المنزل.. “حنا من خدامين في الإحصاء”، يقول العامل في الإحصاء.. “مُولْ الدار خارج، مسافر، مكاينشي هنا”..
يغادر باحث الإحصاء نحو منزل آخر، رغم محاولات الإقناع بحثا عن حظ قد يمنحه ملء استمارة الإحصاء التي كلف بها، في مشهد يختزل جزءا يسير من المشاكل التي يواجهها المشاركون في عملية الإحصاء.
“كَايْن بْزّافْ د المشاكل في عملنا اليومي، كاين الرفض بتقديم ذرائع مختلفة، وكاين اللي كيحاول يتخلص منا بأي طريقة، عبر معلومات غير صحيحة، وقلة الوعي هي سبب هاد عدم التعاون معنا… صراحة عييت”، يقول رشيد أستاذ مشارك في عملية الإحصاء مكلف بحي فال فلوري.
وتصنف ساكنة بعض الأحياء الراقية بطنجة، ضمن أكثر الفئات امتناعا عن المشاركة في العملية، حيث يرفض المنتمون إلى أسر ثرية تقديم معطيات أُسرية خاصة، وفق مشاركين في العملية.
ويضيف رشيد بأن كل عامل في الإحصاء ملزم بتعبئة 12 استمارة على الأقل في اليوم، لكن وجود هذه العراقيل يصعب كثيرا من مهمة العمل، ويزيد من ساعات العمل الطويل، حتى فترات الليل.
ويتقاضى كل مشارك في عملية الإحصاء الميداني مبلغ 200 درهم في اليوم، وهو مبلغ حسب المشاركين يظل هزيلا، بسبب المصاريف التي يتحملها المشارك في العملية، كالتنقل والمكالمات الهاتفية وغيرها من المصاريف.
وينتمي المشاركين في الإحصاء العام للسكان والسكنى إلى فئة الطلبة، مع وجود عدد كبير من الموظفين في قطاع التعليم.
وإذا كان رشيد يرى في عدم تعاون السكان مشكلة عويصة، فإن حال آخرين يبدو أكثر سوءا، بفعل الاعتداءت الجسدية واللفظية، وتعرض بعض المشاركات للتحرش، وكذا وقوع حوادث خطيرة أثناء العملية، وهي الحوادث التي قلبت حياة مشاركين رأسا على عقب.
اعتداءات وحوادث خطيرة
وفي آخر هذه الحوادث المسجلة بمدينة طنجة، تعرض مُدرس بمؤسسة المختار السوسي التعليمية بطنجة،لحادثة خطيرة في عينيه، بعدما اخترق مسمار أحد عينيه وهو يدق باب أحد المنازل، وأصبح مهددا بفقدان البصر في حالة لم يخضع لعملية جراحية مستعجلة.
وأجرى أصدقائه اتصالات مكثفة بهدف إجراء العملية الجراحية، ليصدموا بمفاجأة كبيرة، تتمثل في غياب الـتأمين من طرف المندوبية السامية للتخطيط، ليقوم في النهاية المندوب الإقليمي للمندوبية السامية للتخطيط بالتكفل بالعملية الجراحية من ماله الخاص.
وتضاف هذه الحادثة إلى حادثة أخرى، كان مسرحها حي مغوغة، عندما تعرض مشارك في عملية الإحصاء لسرقة كل ما يملك تحت التهديد بالسيوف من طرف منحرفين، قبل أن يفروا بعد تنفيذ السرقة.
وتشير حوادث أخرى، جرت إحداها بمدينة تطوان إلى تعرض مشاركة في الإحصاء للتحرش الجنسي، قبل أن تتمكن من الخروج من المنزل بأقل الخسائر، وهي حوادث تفضل كثيرات عدم على البوح بها، لمواصلة العمل في الإحصاء دون الذهاب إلى مخافر الشرطة.
الباحثون: غاضبون يحتجون
تواصل هذه الحوادث دفع المشاركين في الإحصاء إلى تنظيم وقفة احتجاجية كبيرة أمام ولاية طنجة، وهي الوقفة التي الثانية من نوعها التي تعرفها مدينة طنجة منذ بداية عملية الإحصاء، حيث رفع المشاركون في الوقفة شعارات تندد بسوء التدبير من طرف الإدارة المعنية وغياب الدعم، وارتفاع معدلات الاعتداء في حق المشاركين في العملية.

ورفع المشاركون في الوقفة شعارات تندد بالظروف الصعبة التي يعمل فيها المشاركون في عملية الإحصاء، والتي تتلخص حسب الشعارت المرفوعة في الساعات الطولية للعمل، وغياب وسائل النقل، وكذا عدم وجود تعويض للمصاريف المتعلقة بالمكالمات الهاتفية وغيرها من المصاريف.
كما شكل التنديد بالاعتدءات الجسدية واللفظية لبعض المشاركين في أحياء بطنجة وضرورة توفير الأمن للمشاركين في عملية الإحصاء جانبا مهما من الشعارات التي تم رفعها، مشيرين إلى عدم وجود تأمين صحي في حالة وقوع أية حادثة تمس سلامتهم وعدم تعاون بعض أعوان السلطة.