استئناف حياة عادية بعد أيام عيد أمر صعب للغاية، فالعيد لمة عائلة وعناق ومحبة ومعايدات وتواصل قريب مع الأحباب والأقارب والجيران، فلازالت مجتمعاتنا تحافظ على نكهة العيد على الرغم من كل هدا التباعد والشقاق الذي يبدو في حياتنا اليوم.
أحب العيد مع الأهل والخلان، وتغمرني مشاعر خاصة في العيد وتحتفي بي طنجة، مدينة الطفولة والذكريات، احتفاء خاصا.
كل عيد أشعر بنسيمه يهب عليلا ساحرا من مدينتي العالية، التي بدأت تختنق وتختنق أكثر كل صيف، وحتى كل شتاء.
بين مدينتي المهنية الرباط، ومدينتي الروحية طنجة، هناك مفارقة دنيوية صارخة توزعني بين العودة إلى نبع الذكريات الخالصة والصافية، كما عشناها، وبين ذكريات مدينة الرباط، التي كانت عصية على العيش. في عيد طنجة أستيقظ على أصوات خاشعة من “مسجد الحومة”، وفي أذني يتردد ترتيل جميل يأخذني إيقاعه الجميل إلى الإيمان والخشوع والفرح… الله أكبر.. الله اكبر.. لا إله إلا الله.. الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد على ما هدانا.. اللهم اجعلنا من الشاكرين.
هذا هو الترتيل المنبه الذي كان يوقظنا ونحن صغارا نمنا متأخرين منهكين، فننهض على إيقاعه الخاص بالحمد والشكر لله.. ورائحة زكية للحناء وضعتها والدتي في قلب كفينا نحن البنات. كنا نغالب النوم حتى أننا لا نفطن أحيانا كثيرة كيف وصلت هذه الحناء لأيادينا الصغيرة مسدودة مضمدة بخروق بيضاء. نفرك الحناء بالزيت وتفوح رائحتها عطرة تزكم أنوفنا وكأننا نفتح أيادينا للخير والبركة يوم العيد، إحساس جميل كان يراودني وأنا أجد كومة الحناء داخل يدي صباح العيد. لم تكن حناءنا منقوشة ومرسومة بل تأخذ رسومها من رسم الكف لا غير. كنا نفرح للحلوى التي تعد للعيد خصيصا، لكعب الغزال وحلوى التمر ورغائف اللوز والخبز الحلو المزين بالزنجلان والبيض والمعجون بحبة حلاوة. كان لخبز العيد مذاق خاص ولحلواه ولباسه وأكله نكهات خاصة. لحسن الحظ لازالت عائلات عديدة تحافظ على هذه النكهات التي لا تطيب إلا يوم عيد.
بين الأهل نستشعر العيد ونحس بمذاقه المختلف حتى لو كانت أيامنا الأخرى صعبة وثقيلة أو صادفتنا ظروف قاسية، فالحفاظ على روح العيد وطقوسه حفظ للمودة والتآزر وامتداد لقيم يوم أراده الله شمسا مشرقة في سماء المسلمين ليبتهجوا وليتحابوا وليتراحموا أيام العيد.
العيد الماضي اختلط بجنازة قريبة لنا ماتت في بلجيكا ووصل جثمانها إلى المغرب ليُوارى الثرى بين ذويها. رأيت فرحة العيد في عيون أبنائها رغم ألم الفراق، كانوا أبناء بارين بها إلى النهاية، وحملوها بعزة وكرامة في حياتها ومماتها لتصل في أمان وترقد بسلام بين أحضان مقبرة المجاهدين بطنجة، هذه المدينة التي هجرتها مند أربعين عاما بحثا عن حياة أفضل. في النهاية عادت لوطنها يوم عيد وبين أبناء صالحين يحملون نعشها ويدعون لها.
للعيد نكهة تفرض أن نحتفي بها ولا نحرم أنفسنا من متعتها وأجرها. فلا حزن مع العيد، فالحياة تستمر وتزهر بوجود الأعياد، والمتفننون في الحياة يتقنون ممارسة العيد، فلا حزن يوم العيد، ولنتواصل مع أحيائنا وأمواتنا برحمة ومحبة أكبر.
سميرة مغداد، مديرة مكتب مجلة “سيدتي” بالمغرب