حين نتكلم عن التربية الصناعية، أو البسيكلوجيا الصناعية في الدين الإسلامي، فإننا ندفع بالمعنى في اتجاه واضح، وهو أن تتم تربية الفرد على الإنتاج، والإنتاج هو تعمير للإنسان في الأرض، والتعمير في الأرض ليس ضرورة دينية فقط، بل ضرورة مادية واقتصادية واجتماعية، أي أنها في النهاية ضرورة إنسانية.
المصنع الذي يشتغل فيه أي كان هو، في عمق الأشياء، مصنع رباني من أجل صيرورة الحياة والأشياء، وكلما تحسن أداء الصانع وارتفعت مهارته فإن إنتاج المصنع سيرتفع وستزداد قيمة المصنوعات رقيا وجودة. وكلما زادت نظافة المكان إلا وارتفعت معنويات الصانع وتحول إلى كائن منتج بامتياز، بغض النظر عما إذا كان صاحب المصنع يستحق ذلك الإنتاج أم لا، لأن الإنتاج في عمقه إنساني، والربح المادي مجرد ربح عابر في الزمان والمكان.
مسألة إنتاج وجودة المنتوج هي مسألة لها علاقة مباشرة بالخالق والمخلوق، ولكي تتحول الشعوب إلى شعوب منتجة فإنه يجب أن تكون لها علاقة مباشرة بخالقها، وأن يكون لها إحساس بأن ما تقوم به من عمل هو في خدمة الإنسانية عموما وليس في خدمة نفسها أو خدمة صاحب المصنع أو من أجل قبض راتب نهاية كل شهر.
هناك الكثير مما يقال حول إنتاجية المجتمع المغربي، وهناك الكثير من الانتقادات والكثير من التساؤلات والكثير من علامات الاستفهام التي لا نجد لها، في أغلب الأحيان، جوابا.
عندما يشتغل المغربي بحب وإتقان فإنه يعطي منتوجا له إشعاع دولي، وهذا ما نلمسه جيدا في ميدان الصناعة التقليدية، وهي صناعة حفرت لها مكانا متميزا بين الأمم، لذلك لو جعلنا من الصناعة التقليدية بوصلة في حياتنا الصناعية فسنحقق الكثير في باقي الصناعات، عبر الاعتماد على المهارة والإتقان وحب العمل.
البلد الذي يتوفر على قدرة إنتاجية متميزة تتدفق عليه الاستثمارات من كل حدب وصوب، وهذا شيء طبيعي في المنطق الربحي، لكن شرط أن يكون الوعاء الاقتصادي نقيا.
الوعاء الاقتصادي يشبه الوعاء الديني، فكلما كان الوعاء رحيما وكريما وصبورا وعطاء ومنيرا وحكيما، إلا وتكون نتيجة التدين هائلة بكل تأكيد، أما إذا كان الوعاء قذرا ومتسخا بالفقر والمجاعة والأنانية والحرمان، فإن النتيجة ستكون محبطة بكل تأكيد.
المجتمع المغربي عليه أن يستيقظ من سباته ليختار في أي الوعائين يضع دينه واقتصاده، وعليه أن يختار في أي تربة يزرع شجرته ومن أي وعاء يأكل طعامه. على المجتمع المغربي أن يفهم أننا لا نحصد إلا من نزرعه، وأننا نادرا ما ننتبه إلى طبيعة الوعاء لأننا نلهث وراء النتائج دون البحث عن مقدمات، وهذا سبب الكارثة.