قبل بضعة أسابيع تنبأت صحيفة مصرية بتسونامي كبير سيضرب عدة مدن في المغرب، ورغم أنه لا أحد صدق تلك التنبؤات، إلا أنه لا أحد فكر أيضا في الجواب عن سؤال عميق: ماذا لو ضرب تسونامي المغرب فعلا؟
المغرب يتوفر على ثلاثة آلاف كيلومتر من الشواطئ، وهو من بين بلدان قليلة في العالم يتوفر على كل هذه المساحات المائية، وأكثر من هذا فإنه يتوفر على شواطئ على بحرين، في المحيط الأطلسي وفي البحر المتوسط، وهذه الوضعية الطبيعية، بقدر ما هي نعمة، فإنها أيضا نقمة.
التسونامي الذي ضرب قبل سنوات بلدان آسيا وخلّف مئات الآلاف من القتلى لا أحد كان يتوقعه، ومع ذلك حدث، والناس الذين كانوا يستمتعون ساعتها على الشواطئ لم يكونوا يحلمون يوما بأن البحر الوديع سينقلب في لحظة إلى وحش كاسر، ومع ذلك وقع ما وقع، والعالم لم يسمع من قبل كلمة تسونامي، لكن هذه الكلمة صارت اليوم متداولة في كل مكان، وكأنها كانت مستعملة قبل ألف سنة.
الخبراء الجيولوجيون يقولون إن المحيط الأطلسي صار معرضا لهزات كثيرة، وأن التغيرات المناخية باتت تتسارع بشكل غير مسبوق، وأن ما كان الناس يعتقدونه من الخيال سيصير حقيقة، لذلك علينا أن نتوقع الأسوأ حتى لا نتفاجأ بما هو أسوأ.
نحن المغاربة نقلب كل شيء ضحكا، ونقول إن الكوارث لا تقترب منا لأنها تعرف حالنا وتعطف علينا، إذ ماذا بوسع الكوارث أن تفعل بشعب يعيش الكوارث من كل نوع صباح مساء؟ وماذا بوسع الزلازل والأعاصير أن تفعل بأمة لا تتوفر على شيء أصلا، لا مستشفيات ولا مدارس ولا طرقات حقيقية، فلماذا ستأتتينا الكوارث أصلا؟
نحن أيضا بلد غريب جدا إلى درجة أن مخرجي الأفلام يختاروننا لتصوير كل شيء، فعندما يريدون تصوير فيلم عن الصومال يأتون عندنا، وعندما يريدون فيلما عن الفلّوجة المنكوبة يصوّرونه عندنا، وعندما يريدون فيلما عن عصر ما قبل التاريخ يأتون إلينا، فهل نحتاج أصلا إلى تسونامي؟
لكن المشكلة أن الكوارث لن تتعاطف معنا مستقبلا وستمارس معنا الديمقراطية على حقيقتها، أي أننا سنعاني من تبعات التغيرات الطبيعية كما تعاني منها باقي الأمم، وموقعنا الجغرافي الذي نرقص من أجله فرحا، يمكن أن يذيقنا المرارة في المستقبل، فالطبيعة لن تبقى هي نفسها، والأجيال المقبلة ستعيش في عالم مختلف تماما.
هناك توقعات كثيرة ندرجها بين الواقع والخيال، وفي المحيط الأطلسي هناك توقعات طبيعية كثيرة، أبرزها تلك التي تقول بأن هذا البحر سيعرف باستمرار تغيرات هائلة، وأن مدنا شاطئية كاملة، على الضفتين، معرضة للاختفاء أو اضمحلال جزء كبير منها، من بينها مدن عالمية شهيرة مثل نيويورك وكارولينا وفلوريدا وغيرها، لذلك من حقنا أن نتساءل، هل إذا اختفت نيويورك، ألن تختفي الدار البيضاء؟
التسونامي في المغرب لم يعد مجرد خرافة، بل صار الناس يتوقعونه في أي وقت وفي أي مكان، وحتى عندما توقع منجم فرنسي حدوثه في المغرب سنة 2005، فإن بعض الناس صدقوه وهجروا المدن الشاطئية وتوجهوا نحو مناطق داخلية أو مناطق جبلية.
ولنعد إلى التاريخ قليلا، التاريخ العميق، لنجد أن المغرب كان في الأصل أرضا تحت الماء، والفوسفاط الذي ننعم به الآن، عفوا، الذي ينعمون به الآن، هو من بقايا ملايير الكائنات البحرية التي بقيت على الأرض بعدما انحسرت المياه، وكما حدث وانحسرت المياه عن أرض المغرب عبر آلاف أو ملايين السنين، فمن الممكن أن يحدث العكس، وتبدأ المياه في غمر المغرب عبر آلاف أو ملايين السنين.
لن نمارس لعبة التهويل وسنكتفي بمعاينة ما جرى صباح الثلاثاء الماضي، عندما اكتسحت أمواج كبيرة، وليست عاتية، شواطئ الدار البيضاء والرباط وسلا والمحمدية وآسفي وغيرها. في ذلك اليوم لم يصدق الكثيرون ما جرى، وهرب سكان آخرون نحو مناطق أكثر أمنا، وآخرون صاروا يفكرون جديا في بيع منازلهم الموجودة قرب البحر، بأي ثمن، والرحيل إلى مناطق أخرى بعيدة أو عالية.
“تسونامي” يوم الثلاثاء الماضي لم يكن مدمرا، بل محدودا جدا، ومع ذلك ترك خسائر بعشرات الملايير، وشرد مئات الصيادين، وعطل عشرات الأيدي العاملة، ونكب أسرا في أملاكها وأرزاقها، وحول عددا من الطرقات إلى أكوام من الحجارة. إنه تسونامي صغير جدا فضح التسونامي الكبير جدا، فضح حالتنا التي لا تقدر على استيعاب بضعة أمواج قوية، فماذا لو جاءنا أمر الله كما جاء قوما غيرنا؟