خلال زيارة للموقع الرسمي لأحد الأندية العربية، احتجت إلى التواصل مع الموقع بحثا عن معلومة.
فرُحت إلى حيث زاوية «اتصل بنا»، ونقرت كي أتصل. طلع لي جدول يضم العنوان البريدي للنادي، وصندوق البريد، ورقمي الفاكس والهاتف. ولا أثر لأي بريد إلكتروني.
تساءلت كيف التواصل مع موقع إلكتروني عن طريق البريد، والبريد، لمن لا يعرفه، طريقة تواصل قديمة تراجع نفوذها في عصر الأنترنيت. فمن يفكر اليوم في بعث رسالة عائلية أو عاطفية عن طريق ساعي البريد؟؟
لكن هناك من يصر على رفض الالتحاق بعصر الأنترنيت، عن قصد وسبق إصرار. وبين هؤلاء عدد من المتعلمين الكبار (في السن) الذين يتصرفون كما لو أن ركوب العصر الإلكتروني فاتهم، فيرفضون أخذ هذا العلم عن أصغر أبنائهم أو بناتهم.
وهل أدل على ذلك من حالة مدير جريدة أسبوعية، يجلس في مكتب فخم، يزينه حاسوبان، لا يعرف تشغيلهما، بل ويرفض أن يعرف.
تشغيل الحاسوب والغوص في عوالمه هو اليوم من أولى معارف الأطفال في مختلف أرجاء العالم، بما في ذلك أصغر بلداتنا وقرانا. لكن السيد المدير المذكور لا يتصور أن بإمكانه معرفة تشغيل كمبيوتر، بكل ما تعنيه له الكلمة من غموض بالغ التضخم، رغم أن ذلك لا يتطلب غير النقر على زر معد لهذه الغاية.
هو يستطيع النقر، لكنه يخاف، إن فعل، أن تنفتح صفحة تعري جهله، لا يدري كيف يغلقها، ولا كيف يوقف التشغيل، قبل أن يصل من يضبطه متلبسا بجهله. رغم أن إيقاف التشغيل لا يتطلب غير نقرة واحدة؛ فكأنما يتملكه إحساس من أقلع بطائرة لا يعرف طريقة إنزالها، لذلك يرفض الطيران في العالم الافتراضي كي لا يعلق في الهواء.
المدير المذكور هو أحسن حالا من شخص آخر فتح مشروعا إلكترونيا يديره لغاية الكسب الحلال، وهو لا يفرق بين الموقع والعنوان الإلكترونيين. لا يميز بين نظام التشغيل ووثيقة الطبع، ولا يعرف الفرق بين الزر والفأرة، مما يجعل منه مسخرة كاتبة لا تجرؤ على أن تضحك ولا على أن تنبهه إلى أخطائه الفظيعة.. تسمع المنطوق وتجتهد لفهم المقصود، فهو يصدر إليها تعليماته بأن ترسل «ماساجا» إلى موقع شركة ما فتعرف هي أن المقصود هو عنوانها الإلكتروني. بينما السيد المدير يزداد إصرارا على أنه يعرف لغة الكمبيوتر، حتى لو لم يكن يعرف كيفية التشغيل بضغط بسيط على زر.
ورغم أنني أشغل حاسوبي وحدي، بكل تواضع، دون الاستعانة بصديق ولا بجمهور، فإنني كثيرا ما ألجأ إلى أصغر أبنائي أسألها كيف أدبر هذا الأمر الإلكتروني أو ذاك.. تأخذ بيدي في تدبير الأمر، وتفسر لي فأفهم، لكنني سرعان ما أنسى ما فهمته، وألتجئ إليها مجددا كي تأخذ بيدي.
ومع ذلك، فلو كنت مسؤولا بناد خليجي، وكان لا بد من موقع رسمي على الشبكة العنكبوتية، لكنت استعنت بشاب من أبناء النادي ممن يتقنون لغة العصر الإلكتروني، ليفتح لنا عنوانا إلكترونيا ويتولى مراسلاتنا، استقبالا وإرسالا؛ فعصر ساعي البريد ولـّى إلى غير رجعة.
عن جريدة “المساء”