الناس يتحدثون الآن عن طنجة الكبرى بمشاريعها واستثماراتها وأبناكها ومصانعها ومؤسساتها وأشيائها الأخرى، لكن لا أحد يتحدث عن طنجة الإنسان، الإنسان الطنجاوي بثقافته ولغته وموسيقاه ولباسه ودينه وتحدياته وطريقة تعامله المستقبلي مع المستجدات.
التساؤل الكبير الذي ينبغي طرحه اليوم هو هل الإنسان الطنجاوي مستعد لتقبل كل ما سيأتي به المستقبل، مستقبل طنجة الكبرى بكل تحدياتها. هل هو مستعد لتقبل خليط من الأجناس من ذوي الثقافات المختلفة والديانات والأعراف المتباينة؟
هل الإنسان الطنجاوي مستعد لقبول ما سيأتي به المستقبل من حالات تزاوج مختلط، وكيف ستكون ردود فعل العائلات والآباء والأمهات على واقع مستجد لم يعيشوه من قبل، بل لم يتوقعوه؟
وفي اللغة، أو بعبارة أصح فيما يخص اللهجة، هل سيحافظ الإنسان الطنجاوي على لكنته المتميزة، أم ستطغى عليها لكنات أخرى كانت إلى وقت قريب تعتبر دخيلة. وهل سيحافظ الإنسان الطنجاوي على لغته العربية أم سيميل نحو لغات أجنبية أخرى مثل الإسبانية والفرنسية والإنجليزية أو لغات أخرى.
لطنجة أيضا خاصيات أخرى، مثل الموسيقى. فالمدينة كانت تعتبر من معاقل موسيقى الطرب الأندلسي، ومعها الطقطوقة الجبلية، والموروث الشعبي الشمالي، ثم الأناشيد الدينية التي رعتها سابقا الزوايا الدينية والتيارات الصوفية. هل سيحافظ الإنسان الطنجاوي على هذا الموروث أم سيجنح نحو “الاستمتاع” بالجاز والتانغو والروك والفلامنغو؟
في اللباس كان الإنسان الطنجاوي أنيقا ومحافظا، لكن هل سينحو طنجاوة مستقبلا نحو خلط اللباس البلدي بالسموةكينغ؟ وهل ستتمرد الطنجاويات على نزعتهن المحافظة؟
في التقاليد الاجتماعية هناك الكثير مما يقال. فالأعراس كانت حميمية وعائلية، لكن ربما تأتي لنا طنجة الكبرى بأعراس “الفاست أعراس”، على وزن “الفاست فود”؟
في مجال الدين هل سيبقى الطنجاويون يستقبلون بترحاب كل ما هو خارجي، من سلفية وتشيع وغير ذلك، أم أنه ستتم المحافظة على التدين المغربي الأصيل الذي يتماشى مع تحديات العصر وينهج خطابا واقعيا يلبي حاجيات الإنسان في بيئة علمية؟
أرى أن الإنسان الطنجاوي مجبول على التفتح والتعايش، لكنه أيضا مجبول على الحفاظ على ثقافته وهويته وأصالته.
الإنسان الطنجاوي لن يدخل المستقبل بخوف وارتباك، فهو يستمد قوته من التاريخ، ويمتح تفتحه من الماضي، وهو ينهل من زمن طنجة الدولية، أيام كانت المدينة نافذة مشرعة على العالم والناس يأتون إليها من كل فج عميق.
لا خوف على الإنسان الطنجاوي إذن من المستقبل.
تعليق واحد
Belle réflexion et belle analyse, bravo yacine