من بين الأدلة لتي تكشف عن الحب البريطاني العذري لطنجة هي أن هذه المدينة كانت مهرا عندما تزوج الملك تشارلز الثاني من الأميرة كاترين، سنة 1862، لكن هذا المهر لم يبق طويلا في يد العروس، فانفلتت المدينة من بين أيديها مثل طائر ملون سنة 1684.
بعد قرنين بالضبط، زار طنجة أمير ويلز إدوارد السابع، وهو ابن الملكة فيكتوريا، هذه الملكة الأسطورية التي طبعت تاريخ إنجلترا والعالم، ونزل في مكان له رمزية خاصة في المدينة، وهو فندق “كونتننتال”، الذي يوجد على مشارف البحر والميناء، أي في نفس المكان الذي كان البريطانيون يتحصنون فيه قبل قرنين من الزمن، لكن إدوارد لم يأت إلى طنجة ليتحصن، بل لينعم بقليل من هدوئها على حافة الموج، في فندق يعكس التاريخ المثير لهذه المدينة التي تصارعت عليها الأمم كما يتصارع الأكلة على قصعتهم. ولا تزال الغرفة التي نزل فيها الأمير إدوارد على حالها منذ ذلك الوقت، ولم يتحرك فيها الزمن قيد أنملة.
فندق “كونتننتال” بُني كما لو كان نافذة مشرعة على البحر وعلى العالم. ففي سنة 1870، قرر مواطن بريطاني من جبل طارق، اسمه جونان سالدو، أن يبني هذا الفندق في موقع له طابع خاص، وهو هضبة عالية مطلة مباشرة على مضيق جبل طارق، وأكثر من هذا، فالناظر من هذا الفندق يرى مباشرة أمامه صخرة جبل طارق على الضفة الأخرى من البحر، كما لو أن “سالدو” كان يريد أن يطل من هذا الفندق على موطنه جبل طارق، وكما لو أنه أراد أن يطل من منزله في جبل طارق على فندقه بطنجة، وفي كل الأحوال فالمسافة بين الضفتين ليست أكثر من 14 كيلومترا، والمضيق البحري بين المكانين يبدو كأنه زقاق ماء.