اليوم صارت عبارة “طنجة الكبرى” موضة، ففي كل قصاصة أو مقال اقتصادي تبرز هذه العبارة وكأنها طلسم سحري سيخرج المدينة من الظلمات إلى النور، مع أن خروج مدينة ما من قوقعتها القديمة واصطفافها إلى جانب المدن الصناعية الكبري يحتاج إلى الكثير من الجهد والإبداع.
طنجة صنعت مجدها الاقتصادي في العقود الماضية على صناعة النسيج، وبعبارة أصح صناعة تحويل النسيج، وخلال الطفرة المادية بطنجة سنوات الثمانينيات والتسعينيات بنى الكثيرون مجدهم المالي على طفرة العقار، وخارج إطار النسيج والعقار لم يكن يوجد شيء، إلى أن بدأت الأشياء بالتحول تدريجيا خلال السنوات القليلة الماضية.
اليوم، وفي خضم الحديث عن طنجة الكبرى من حقنا أن نتساءل: هل هذا المشروع الضخم يستطيع أن يحول طنجة إلى قطب اقتصادي عالمي؟ وعندما نتحدث عن قطب اقتصادي عالمي فإننا نتحدث عن صناعات عالمية كبيرة مثل صناعة السيارات مثلا.
المتفائلون يقولون إن هذا ممكن، وأن معمل رونو في منطقة ملوسة فتح الباب على مصراعيه لكي تتحول طنجة إلى مدينة صانعة للسيارات.
المشكلة أن معمل رونو، الذي فتح أبوابه قبل سنوات، لم يجذب صناعا آخرين لسيارات عالمية. فقد كنا نتوقع أن تأتي معامل أخرى كبيرة مثل “غولف” و”مرسيديس” و”هوندا” و”فورد” و”فولفو” وغيرها، لكن لا بأس، لقد انتظرنا طويلا ومن الممكن أن نطيل الانتظار مرة أخرى، لأنه في النهاية نحن مجبرين على أن نكون متفائلين ونتوقع أن كل شيء سيأتي مع الزمن.
لكن قضية تحويل مدينة عادية إلى مدينة صناعية لا تحتاج إلى المصانع الكبرى ورؤوس الأموال العملاقة فقط، بل تحتاج إلى عقلية تقبل بهذا التحدي. فهل يمكن للطنجاويين أن يقبلوا بأن تخرج مدينتهم من حميميتها التاريخية إلى صخبها الصناعي في رمشة عين؟ هذا سؤال كبير من الصعب الإجابة عليه، بل ستجيب عنه الأيام والسنوات المقبلة.
لكن في انتظار الجواب فإننا ندرك أن المواطن الطنجاوي يتجاوز الرهانات التاريخية بكثير من الثقة، وأيضا ببعض التخوف. فالثقة في المستقبل أساسية، والخوف من ضياع الذات خوف مشروع أيضا.
هناك مشكلة أخرى، وهي أن أغلب المقاولات التي تأتي إلى المدينة تتعامل مع الطنجاويين بطريقة تجعلهم غرباء في مدينتهم، لذلك يتم تهميشهم وتركهم خارج سوق العمل بدعوى أن الطنجاوي ليس عاملا جيدا، وبالتالي فإن الرهان عليه رهان خاسر، وهذه فكرة غريبة وخطيرة.
هناك أيضا قضية العمل النقابي في أفق طنجة الكبرى، لذلك يُطرح سؤال كبير حول مدى قدرة التنظيمات والفروع النقابية في المدينة على استيعاب كل هذا التحول الصناعي والعمالي؟
التساؤلات المحيرة تتسلسل إلى ما لا نهاية. فقضية الطاقة تطرح إشكالا كبيرا، ولا أحد يتوقع أن تكون شركة واحدة لتوزيع الماء والكهرباء، مثل أمانديس، قادرة على ركوب موجة طنجة الكبرى.
هناك موضوع النقل، لأن طنجة تتحول بسرعة كبيرة إلى مدينة بروليتارية، أي عمالية بالمفهوم الاقتصادي، لذلك نتساءل هل ستتحمل طرقاتها كل هذه الجحافل من سيارات نقل العمال صباح مساء، مع ما يتبع ذلك من ضغط وحوادث.
أشياء كثيرة أخرى لها ارتباط بطنجة الكبرى نطرحها فيما تبقى من الحديث في عمود لاحق.