قبل سنوات، لم يكن أغلبية المغاربة يعرفون معنى الاحتفال برأس السنة الميلادية، وكل ما كان يحدث هو أن النصارى الموجودين في عدد من المدن كانوا يحتفلون، وكان بعض المغاربة، مثل الخدم والأصدقاء يشاركونهم احتفالاتهم من باب المجاملة.
بعد ذلك بدأت بقعة الزيت تتسع، وصارت الاحتفالات تتركز على الملاهي والمراقص والفنادق، وأصبح عدد من شباب الدرب العاطلين يحتفلون بشرب بضعة أكواب من النبيذ الفاسد المخلوط بالماء والزغاريد.

مرت سنوات أخرى، وصارت غابات العرعار في المغرب يتهددها الانقراض لأن عدد المغاربة الذين يحتفلون براس العام ازداد عددهم، وصاروا يقطعون الأشجار ويزينونها ويضعون حولها الهدايا كما لو أنهم نصارى ناموا في كهف لمئات السنين ثم استيقظوا فوجدوا أنفسهم في بلد مسلم.
مرت سنوات أخرى وصار سكان الأحياء الشعبية، التي لا يصلها الماء والكهرباء، وقنوات الواد الحار تمر أمام أنوفهم، يتزاحمون أمام محلات الكعك والحلويات لكي يشتروا كعكة رأس السنة. ومن يقف أمام محلات الحلويات مساء آخر ليلة من السنة فسيذهل من عدد هؤلاء المسيحيين المزورين الذين تكاثروا بين ظهرانينا “بلا خْبار الفاتيكان”.

اليوم هناك شيء آخر كان ينقص المغاربة، وهو الاحتفال بالرابع عشر من فبراير، الذي يسميه النصارى عيد “سان فالنتاين”، وآخرون يسمونه عيد العشاق، وآخرون يطلقون عليه “يوم الحب”.
وتقول الأساطير إن أصل هذا العيد مرده إلى احتفال وثني في عهد روما القديمة، حيث كان يوجد إله يسمى إله الحب، وكانت تقدم له القرابين والنذور.
وتقول أسطورة أخرى إن حكام روما كانوا يمنعون زواج العسكر، لأن الجنود العزاب يبلون في الحرب بلاء حسنا أكثر من المتزوجين، غير أن كاهنا اسمه فالنتاين كان يزوج الجنود سرا بطقوس مسيحية وضد رغبة قادة الجيوش الرومانية، فاكتسب اسمه صدى واسعا وتحول إلى أسطورة.
لكن المغاربة الذين كانوا يحملون الورود الحمراء في أيديهم يوم 14 فبراير الماضي، لا تهمهم مثل هذه الحكايات. وكثيرون ارتدوا ملابس حمراء في ذلك اليوم وأحسوا بأنهم سادة الدنيا.

من الغريب أن التغيرات التي يشهدها المغرب تسير في اتجاه كوميدي. شباب العقود الماضية كانوا يحتفلون بالمناسبات العالمية الكبرى مثل ذكرى الثورات الشعبية وأعياد العمال والانتفاضات، ويخلدون الأيام التي استشهد فيها رموز الكفاح وأبطال المقاومة، بينما تبدو أجيال اليوم كما لو أنها مصابة بتخلف عقلي مزمن، وأصعب ما تصاب به الشعوب هو التخلف العقلي الجماعي.
والغريب أيضا أنه رغم أن المغرب فيه آلهة أكثر شهرة من آلهة الحب عند الرومان، مثل آلهة الفقر وآلهة الاختلاسات وآلهة النهب وتبذير المال العام، إلا أن الناس يبحثون عن آلهة بعيدة للاحتفاء بها ويتركون آلهتهم المحلية يضرب فيها البرد.
وفي كل الأحوال يجب القول إنه إذا كان يحق للعالم كله أن يحتفل بما يسمى عيد الحب يوم 14 فبراير فإن المغاربة هم وحدهم الذين لا يحق لهم ذلك، وإذا قرؤوا بعض تاريخهم فسيدركون لماذا.

وتقول الحقائق التاريخية، وليس أساطير سان فالنتاين، إن 14 فبراير يؤرخ لنكبة إنسانية كبرى، وذلك حين أصدرت الملكة المتطرفة والحاقدة، إيزابيلا الكاثوليكية، قرارا يوم 14 فبراير 1502، يقضي بحرمان الأندلسيين المسلمين في الأندلس المنهارة من كامل حقوقهم ومنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية وإحراقهم أحياء في الساحات العامة وتعذيبهم بأكثر الوسائل وحشية وطردهم من بلادهم، وبذلك نقضت كل العهود التي منحت لهذا الشعب المنكوب بعد سقوط غرناطة، آخر قلاع الأندلس، سنة 1409. ومنذ يوم 14 فبراير، بدأت معاناة رهيبة للموريسكيين، وتشردوا في كل أصقاع الأرض، واليوم يوجد في المغرب حوالي 5 ملايين من أحفادهم، ومن بين هؤلاء الأحفاد من يحتفلون بعيد الحب يوم 14 فبراير، ولا يعرفون أي شيء عن نكبة أجدادهم بسبب 14 فبراير 1502.
يمكن للشعوب أن تكون أي شيء، إلا أن تكون جاهلة وحمقاء. وقديما قال الشاعر:
لكل داء دواء يستطب به..//.. إلا الحماقة أعيت من يداويها