أختزن في ذاكرتي روح أمكنة طنجة، وتقفز حومتي للواجهة لتغطي على الحومة الأولى في حي “علي باي”.
الاستقرار عشناه في الحومة دْبرجيكا، بلكنة الطنجاويين، وحينما غبت عنها ورحلنا إلى حي آخر، كنت أعود إليها بين الفينة والأخرى فكانت تبدو أصغر مما كانت في قلبي وخيالي ولم تعد بحجم الذكريات التي عشناها.
هناك، في الذاكرة على الأقل، كانت البيوت متلاصقة والوجوه مألوفة.. نسجنا معها علاقات ود وفضاء حياة مشتركة. حومة برجيكا مرتع الطفولة والمراهقة وبدايات الشباب الأولى. ايام حومة برجيكا كانت حافلة بالشخوص والأحداث. كانت تبدو لي الحومة أكبر بكثير مما أراها اليوم، وظلت تحتل مكانا شاسعا في الذاكرة والحنين.. كنا نلعب في الحومة “شْريطة” والغُمّيْطة” و”المْلاقْف” و”الكْرومو”.. هذه هي تسليتنا خارج البيت أو عند عتبة الدار.
كانت الحومة محافظة وكنا نستغرب قصة الحب العلني بين مصطفى ومريم. كانا لا يفترقان، وكانت والدة مريم، الجبلية التي تشبه الإسبانيات في شقرتها الناصحة، تقبل بهذه العلاقة. كانت مريم ابنة مدللة تعيش جو انفتاح خاص، داخل البيت كانت تقيم كل عام حفلة عيد ميلاد صاخبة نترقب أجواءها من بعيد.. من البلكون في بيتنا. مريم ومصطفى عاشا قصة حب عظيمة وانتهت بالزواج وعمرت مثل قصص الحب الخالدة. لعل حومة برجيكا تغيرت.. لقد مات من مات وشاخ من شاخ وترك آخرون منازلهم مثلما حصل لنا.. لكن حميمية الذكرى ظلت قوية.
سكننا كان بسيطا يضم كل العائلة والعْواول دْ الحَوْمة، واليوم قطنوا العمارات وتباعدت الهوة بين الناس. كان جيراننا قريبين جدا وأسماؤهم تتردد مثل رنين جميل. مصطفى الشارميلا، مثلا، علمت أنه توفي مؤخرا، لقد كان دونجوان ثانوية مولاي رشيد وكبر بسرعة أكثر من اللازم. كان مقبلا على الحياة ودخن السجائر وشرب الخمر وابتُلي بالغبرة التي كانت أداة انتحاره البطيء. مات شريدا متسكعا بعدما كان يبهر البنات ويسلب عقولهن. كان لكل لقبه.. فشقيقي سمير كان مولعا بقصص الأطفال، وبالضبط مجلة “المزمار” التي كان يحكي عنها باستمرار فكان أبناء الحي ينادونه “المزمار”. وكان لشاب رصين متفوق في الدراسة اسمه عبد اللطيف لقب عجيب هو “جونيتي”.
سميرة مغداد، مديرة مكتب مجلة “سيدتي” بالمغرب
تعليق واحد
أيقطت ذاكرتي أللا سميرة .. و بت أفكر بجدية في الكتابة عن حيي عين الحياني و نجومه الكثر.. و ذكرتني بسمير الذي كان فاه لا يفتر عن صناعة و إنتاج الإبتسامات المتتالية و المتتابعة يوم كان رفيقي بأحد فصول الإعدادية بثانوية مولاي رشيد..
أه.. و تلك الأيام نداولها بين الناس..
ذاك عهد من حياتي قد مضى // بين تشبيب و بكاء و نواح