ظهر الارتجال الذي يطبع تقييم الأفلام المغربية بين لجان الدعم والانتقاء للمشاركة في المسابقة الرسمية، ولجان تحكيم المسابقة، جليًا في الدورة السابعة عشر من المهرجان الوطني للفيلم التي اختتمت نهاية الأسبوع الماضي، وذلك عبر تضارب الاختيارات بين اللجان التي تمر بها الأفلام المتلقية للدعم العمومي، منذ لحظة عرض السيناريو على لجنة الدعم، إلى التقييم النهائي للجنة التحكيم في المهرجان الوطني للفيلم.
هكذا أقصت لجنة الانتقاء الأولي الفيلم الفائز بالجائزة الكبرى من المشاركة في المسابقة، قبل أن يُدرج في المسابقة بعد فوزه في مهرجان عربي. ولجنة الأفلام القصيرة أخذت على لجنة الانتقاء إقصاء أفلام جيدة من المشاركة في المسابقة. فتحولت آلية الانتقاء إلى باب تدخل منه ريح صرصر عاتية، فبدلا من أن تكون حسنة تحسب للمركز السينمائي المغربي في عهد صارم الفاسي الفهري، تحولت إلى دجاجة فرّخت الكثير من الأخطاء في التقييم، وطرحت تساؤلات جادة حول معايير اختيار أعضاء هذه اللجان، في ظل نتائج غير منطقية أدت إلى تضارب تام بينها، وأفرغتها من الجدوى.
مغامرة منح الدعم لمشاريع على الورق قد تتحول لاحقا إلى كوارث سينمائية
تعرض على لجنة الدعم مشاريع عديدة كثير منها لا يلقى القبول لدى اللجنة، وبعضها يتم قبوله رغم غياب ضمانات لتحوله إلى فيلم مستوفي للشروط الفنية السينمائية، وتدافع اللجنة عن منحها الدعم لمشاريع قد تتحول إلى كوارث سينمائية. بإجبارية المغامرة في منح الدعم، فكم من مشاريع تبدو جيدة على الورق وتتحول إلى بهدلة للسينما لاحقا، وأخرى متوسطة المستوى تتحول إلى أعمال جيدة بعد الإنتاج. وبالتالي تغيب الضمانات في عمل إبداعي صرف يقوم على قدرات المخرج وفريقه. لكن يبقى التساؤل قائما في ظل منح الدعم لمخرجين قدموا أعمال ذات مستوى سيء للغاية في تجارب سابقة ما يؤشر على حقيقة مستواهم، رغم أن لجنة الدعم حاولت الاحتياط لهذا العامل فأوصت مخرجين معروفين بإعادة سيناريوهات أفلامهم في ورشة السيناريو التي أقامها المركز السينمائي المغربي في ايفران، كشرط لحصولهم على الدعم.
لجنة الانتقاء والأخطاء القاتلة
لجنة الانتقاء للمشاركة في المسابقة الرسمية أقصت فيلم “مسافة ميل بحذائي”، إلى حدود فوزه بالجائزة الكبرى لمهرجان الأقصر، حيث أُدرج في آخر لحظة في المسابقة، ليفوز بالجائزة الكبرى للمهرجان الذي أقصي منه. ما يطرح علامات استفهام كبرى حول تشكيلة هذه اللجنة ومعايير اختياراتها، خاصة وان هذا الفيلم فاز بحصة الأسد من جوائز هذه الدورة، فإلى جانب الجائزة الكبرى، فاز بطلاه بجائزتي أحسن ممثل وممثلة دور أول، وجائزة أحسن موسيقى تصويرية. وإقصاءه من المشاركة لو لم يتم تدارك الأمر كان سيؤثر على فرصهم في هذه الجوائز.
قرار آخر للجنة الانتقاء يتمثل في إقصاء الفيلم الثاني لهشام العسري “جوع كلبك” بحجة أنه لا يمكن إشراك فيلمين لنفس المخرج في المسابقة الرسمية فتم الاكتفاء بعرضه خارج المسابقة. في وقت أجمع فيه عدد من المهتمين على جودة هذا الفيلم، وقدرته على المنافسة على الجوائز، بالإضافة إلى أنه لم يصنع من طرف المخرج فقط، بل اشتغل فيه طاقم كبير من الممثلين والتقنيين الذين حرموا من المشاركة في المهرجان، بسبب هذه النظرة الاقصائية للجنة.
ولم تقتصر اللجنة على إقصاء أفلام طويلة، بل امتد الأمر إلى مسابقة الأفلام القصيرة، فلجنة التحكيم في مسابقة الأفلام القصيرة، في تصريحها حول الأفلام المتوجة في مسابقة الفيلم الطويل، أخذت على لجنة الانتقاء إقصاء أفلام جيدة أنتجت هذه السنة من المشاركة في المسابقة الرسمية، وحرمانها من فرصة التباري، والعرض أمام جمهور المهرجان. ومن أبرز الأفلام المستبعدة، فيلم “الانتظار في ثلاثة مشاهد” الذي نوهت به لجنة التحكيم في الدورة الثالثة عشر للمهرجان الفيلم المتوسطي للفيلم القصير في نهاية 2015 .
سؤال التشكيل ومحك التقييم الصحيح
إذا لم يكن اختيار لجان التي تتحكم في مصير الأفلام منذ لحظة ولادتها على الورق إلى لحظة استحقاقها للجوائز صائبا، فكل النتائج التي ستتمخض عنها مشكوك في أمرها، وتثير علامات استفهام كبيرة من أهمها معايير اختيار أعضاء هذه اللجان؟ ومن يختارها؟ في ظل القرارات المثيرة للجدل، لبعضها والمفاجآت التي تصدر عنها في المسابقات.
مع الاستغراب الذي أثارته نتائج جائزتي أحسن ممثلة دور أول وثاني، فتم عكس الجائزتين، إذ منحت فاطمة الهرادي المعروفة باسم “راوية” صاحبة دور ثاني في فيلم “مسافة ميل بحذائي” جائزة أحسن ممثلة دور أول، فيما تم الاكتفاء بمنح فرح الفاسي صاحبة دور البطولة في فيلم أفراح صغيرة” إلى جانب أنيسة العناية جائزة أحسن دور ثاني. ما يترك سؤال الجودة في السينما المغربية، عالقا في ظل الارتجال في تقييم والحكم عليها من طرف لجان تتخذ قرارات غير منطقية، وغير منسجمة في رؤية شمولية تقيم مكونات السينما المغربية بمقاييس سينمائية احترافية.