رضوان بنصار
هذه العبارة أضحت أكثر تداولا وممارسة في الواقع المعاش، فهناك من الأشخاص من يرى في تكوينه العلمي وشكله، كأنه البدر ليلة تمامه، أو بالأحرى يسعى إلى إطفاء كل النجوم والأنوار التي تدور في فلكه ليقتبس الكل من نوره، مع العلم أن الله عز وجل قسم الأنوار والأدوار.
كل الكائنات الحية التي خلقها الله على هذه البسيطة جعل لها أدوارا ومهاما خلقت من أجلها، فالإنسان المسلم مثلا، إلى جانب وجوب إخلاصه في طاعة الله، أسندت له مهمة إعمار الأرض، أي بناء حضارة إسلامية قائمة على أسس متينة، تجعل من الكتاب والسنة الأرضية الصلبة التي سيشيد فوقها هذه الحضارة، إلا أن هناك من يساهم في عرقلة هذا البناء الضخم، وهنا نخص بالذكر الإنسان نفسه، فقد تجد بعض الأشخاص من يتصف بأوصاف لا يرضى عنها الله ورسوله، وفي نفس الوقت تجعل كل من يعاشره أو تربطه به علاقة قرابة أو زمالة، يتضايق من سلوكياته التي قد يسيء بها لسماحة وقيم الإسلام ، فحين يتصف الشخص بالعُجْبِ مثلا، أو يُغلب مصلحته الخاصة على مصلحة العامة، في عمل أو انجاز تشاركي، من المفروض أن يعود على الجميع باليمن والبركات،يسعى دائما ذاك الشخص إلى تخطي الرقاب والانتصاب قبالة عدسات الكاميرات محاولة منه حجب الرؤية عن باقي العباد من جهة، ومن جهة أخرى ليصير هو الشخص الواحد والأوحد الذي من حقه أن يبزغ نجمه، وعلى الجميع أن يتنازل عن دواره ومهامه لتسند له في الأخير كل المهام والأدوار، ما دام الأمر يتعلق بحب الظهور الذي يتوج بالتصفيق والتهليل.
فقد جرت العادة أن نحترم ونقدر كل من يكبرنا سنا ويفوقنا علما وورعا، دون أن يرغمنا أحد على فعل ذلك ،طالما أن مثل هذه العينة من الأشخاص يفرضون عليك احترامهم وتقديرهم نظرا لتواضعهم وحلمهم، ودعمهم اللا مشروط للمجتهدين والمقبلين على الحياة بعفوية مع نكران للذات،ولكن قد تجابه في الحياة من يجعلك تهجر قلاع الإبداع، ويرغمك على الدخول في عزلة فكرية وروحية تبعدك عن أصحاب النفوس المريضة ، فالله سبحانه وتعالى جعلنا في هذا الكون خداما لبعضنا البعض ، لا أن نبغض بعضنا البعض ، أي أننا نعاني من نقائص، ما يفرض علينا أن نستعين بالآخر، دون أن نُحَجِّم دور هذا، وتأثير ذاك في مسارنا الفكري والمهني والاجتماعي والاقتصادي، كما أن لكل واحد منا طاقات ومواهب يستثمرها في حياته ليساهم في إسعاد الآخرين وتنويرهم ،إلا أننا قد نختلف فقط في السبل والآليات التي تخول لنا التفاعل والتأثير في ذاك الآخر ،فمثلا هناك من سلك طريق التكوين العلمي الأكاديمي ليتخاطب مع شريحة معينة من المجتمع، إذ يحسب نفسه نخبويا،وبما أنه كذلك، فلا يجوز له التواصل إلا مع“ قشدة المجتمع “ أي النخب ، وحتى إن تواصل مع الجميع فتبقى لغته بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش ،طالما أنه في خطبه ولقاءاته يجتر ما أكله الآخر، وبالتالي لا يساهم في تجديد خطابه، سواء كان أدبيا أو سياسيا أو اجتماعيا… ، كما أن أسلوبه وعباراته المنتقاة، التي يغلب عليها طابع التصنع والجهد والاستطراد، قد تسقطه في المحظور، أي يشتت بذلك ذهن المتلقي ، ويصير خطابه عموديا و ليس أفقيا،وإن جادلت مثل هذا الصنف من البشر فعليك أن تتحلى بالصبر وأن تشل حركاتك تماما حتى لا تقترف جرما ، لأن جل كلامه وتصريحاته لا تخلو من الأنا الأعلى ،إلى درجة يعتبر فيها نفسه“ سيد قومه “، أو شخصية فكرية لا يشق لها غبار، وعلى النقيض من ذلك قد تجد من أوتي من العلم إلا قليلا ،مع خيال خصب وإحساس مرهف صادق، باستطاعته أن يختزل الوقائع ويصورها في قالب لغوي سلس، يتيح للقارئ أو المتتبع إمكانية فهم الخطاب والتفاعل معه إيجابا ،فنحن هنا لا نقصي أحدا ولا نتهم أحدا بتقصيره في أداء مهامه وواجبه تجاه مجتمعه ووطنه ،ولكننا في أمس الحاجة إلى أناس، ولاسيما من يدعون الثقافة ورجاحة العقل ،أن يبسطوا راحتيهم لكل مجتهد ومبدع يأمل أن يوصل رسالته إلى عموم الناس ، بدل أن يتم إقبار أعماله وإنجازاته في المهد، أو يتم تصنيفه في خانة المثقفين من الدرجة الثانية أو الثالثة، ولم لا نعتهم بالمتطفلين على الثقافة ،مع العلم أن لِكُلٍّ بصمته ولمسته السحرية في هذا الكون ، ما ينقصنا سوى التواضع ،ومد يد العون للجميع ، مع مراعاة مشاعر الأشخاص المبتدئين المجتهدين عند النصح والتوجيه ،بدل اعتماد أسلوب التجريح والتنفير ،وعلى ذكر النصح، فمن أراد أن يُقَوِّمَ ما اعْوَج في فكر وسلوك شخص ما، يستحسن أن يختار الزمان والمكان المناسبين لتوجيه النصيحة،لأن النصيحة أمام الملإ تصبح فضيحة ، وهذا ما نهانا عنه نبينا عليه السلام. كما أننا نؤكد في هذا الموضوع على ضرورة تخلي بعض العلماء والمثقفين عن أبراجهم العاجية ومحاولتهم مخالطة الناس ،ولا سيما البسطاء منهم، ليستفاد من علمهم، بدل أن يمارسوا هواية ملئ رفوف مكتباتهم الشخصية بأمهات الكتب والنوادر،فهم يضربون بذلك حصارا على المعلومة وعلى العلم بصفة عامة، وبالمقابل قد تجدهم حريصين كل الحرص للظهور في أحسن حلة عندما يتعلق الأمر بحضور لقاءات علمية، كالندوات والمحاضرات ،وحتى لقاءاتهم وخرجاتهم العلمية تكون انتقائية ومناسباتية ، وذلك بغية استعراض عضلاتهم ومؤهلاتهم العلمية والبلاغية ، وهذا هو حال مثقفين وسياسيين الذين يلهبون قاعات المؤتمرات والمحاضرات بشعارات وخطابات رنانة تبث الحماسة في صفوف الحاضرين ، مع العلم قد تجد أصحاب هذه الخطابات لا يمتثلون ولا يؤمنون بتلك الشعارات المنقولة والزائفة ،التي لا يمكن أن تُمارس وتُفَعَّل إلا في عالم المثل.