ما يحدث في هولندا هذه الأيام يدعو لأكثر من وقفة، فالتصريحات التي أطلق نيرانها، خيرْت فيلدرز، رئيس حزب الحرية، يجعل وضع المهاجر المغربي في مهب الريح ويعيد للواجهة قضية العنصرية في بلاد المهجر، وهي النظرة التي عانى منها المغاربة باستمرار وتصاعدت في العشر سنوات الأخيرة بسبب الإرهاب والأزمة الاقتصادية في أوروبا عامة.
إضافة إلى ذلك، هناك ظاهرة التردي السياسي، حيث تراجعت فعالية الأحزاب اليسارية التي طبعتها المحاباة في الفترة الأخيرة للحصول على الأصوات، وهو ما حصل لحزب العمل الذي باع نفسه للعنصريين مقابل أصوات انتخابية.
هولندا من الدول التي تعيش وضعا خاصا، لأن الجالية المغربية تختلف كثيرا عن باقي الجاليات، ويعرف الجميع أن أكبر عدد من المهاجرين هم من الريف وشرق المغرب، قبل أن تلتحق أفواج اللاحقين بهم من الأطلس والجنوب الصحراوي والشمال الغربي والوسط المغربي. لكن للأسف، يعيش المجتمع المدني المغربي في هولندا تراجعا بئيسا بسبب تعنت المواقف والأسلوب الذي تمارسه كثير من الجمعيات، لكن مع بعض الاستثناءات التي تثلج الصدر.
تصعيد فيلدرز يكشف النقاب عن هشاشة واضحة للحمة المغاربة، ولكي نكون واضحين في طرح المشكلة في إطار نقد ذاتي موضوعي، لابد من الاعتراف أن الجالية المغربية بهولندا تعيش تشتتا بين نزعات ونعرات قبلية تجعل كل منا في واد. فالحقيقة المرة هي أن عنصرية فيلدرز جاءت لتعري واقعا عنصريا آخرا تعيشه الجالية المغربية وتدعونا لشن حملة أخرى قد ندعوها ”ماشي غير فيلد رز”، لنعرف مكامن آخطائنا جيدا.
نحن، شئنا أم أبينا، نعيش صراعات واهية وانقسامات تغذيها عدد من التيارات الراديكالية المتحمسة أحيانا للأمازيغ ضد العرب، أو صراعات بين أكازيغ أنفسهم.. الريفي ضد اليزناسني، والكزنايي ضد المطالسي، والسوسي ضد الريفي، والجبلي ضد الفاسي، والعروبي ضد هذا أو ذاك.
الحقيقة أننا نحتاج في هولندا إلى تشريح دقيق وإلى بحث سوسيولوجي يعيد قراءة الهجرة وعقلية المهاجر المغربي. أعرف شخصيا حروبا طاحنة في هولندا تقع فقط لأجل اختيار إدارة المساجد بين المغاربة أنفسهم، الكل يريد أن يتفرد بقراره وينتصر لعرقه أو قبيلته، وهناك من ينمم في مشروع لأن صاحبه ليس من قبيلتهم.
إن ما نفعله بأنفسنا يدخل، في تقديري، في الفعل العنصري الشنيع، وهذا سيجعل فيلدرز وأمثاله يتقوى وينتعش. ثم من جانب آخر نتساءل عن الموقف الرسمي للحكومة المغربية وبعض مؤسساتها المدافعة عن حقوق الإنسان التي تساهم في تكريس صورة سيئة عنا نحن المغاربة، حيث لم تنتفض الحكومة ولو ببيان صغير للتنديد بتصريحات العنصري فيلدرز.
من هنا أقول إنه حان الوقت لفهم أكثر لوضع المهاجرين المغاربة ولتسليط الضوء على وضعية المهاجر المغربي وتكثيف الجهود لخلق تواصل لفهم ما يحصل ولمد الجسور مع الأجيال الجديدة من الهجرة التي ستكرس وضع التناحر والتشتت، أو ستنسحب إلى اللامبالاة والعبث.
فيلدرز يفعل ما يشاء رغم أن موقف الحكومة الهولندية كان جيدا، لكن المشكلة الأساسية والسؤال الحقيقي يجب أن نطرحه نحن المغاربة وهو: ألسنا جالية عنصرية بالأساس؟ ألسنا عنصريين فيما بيننا قبل أن نصل إلى الآخر؟ فلو وجدنا فيلدرز شعبا قويا متضامنا لما كان لأفكاره العنصرية وجود أصلا.
احتجاجاتنا كان لها وقعها في المجتمع الهولندي، لكن هل هي مؤثرة إلى مدى أبعد أم مجرد احتجاجات مناسباتية، أم هي مسكن لآلام وعبارة عن رفض مؤقت.
حينما نواجه عنصريتنا التي خلقنا فيها عداوات مجانية وآفاق ضيقة فإننا سنقضي لا محالة على عنصرية فيلدرز وأمثاله.