قبل بضعة أعوام، خرجت إحدى وسائل الإعلام إلى الشارع العام بسؤال: من هو عبد الله العروي؟
قليلون اعترفوا بأنهم لا يعرفون. ورغم فظاعة الجهل إلى هذه الدرجة، كان هؤلاء أحسن من غيرهم، ممن رفضوا الاعتراف بالجهالة، فكان منهم من أجاب بأن العروي هو لاعب كرة قدم من عهد بنمبارك، ومن قال إنه ليس لاعبا، بل ممثلا سابقا من زمن العربي الدغمي، ومن عرف أنه لم يكن لاعبا ولا ممثلا، ولكنه كان من رجال المقاومة من رفاق الزرقطوني، ومن… ومن…
رغم الصيت الإعلامي المتميز، الذي يحظى به هذا المفكر الكبير، كثيرون من شباب بلده لا يعرفون من يكون. حقيقة مرة، مرارة الصراحة، لا يقبلها عقل عاقل، تعكس هزال نظامنا التعليمي، الذي يصر صاحبي محماد على تسميته بـ”النظام التجهيلي”.
لكن الأيام القليلة المنصرمة كشفت من جهلنا ما هو أفظع، فقد خرج أحد المواقع الإلكترونية النشطة إلى الشارع العام بسؤالين:
في السؤال الأول طلب من عينة من شباب مدينة مغربية كبيرة أن يذكروا أسماء خمسة من لاعبي “البارصا”، فلم يصادف واحدا يجهل الجواب. بل قليل من احتاج لحظة تفكير. ميسي وتشابي وإنييستا وبويول وبيكي وفالديس. كثير منهم ذكر من الأسماء أكثر من المطلوب، ومنهم من سأل السائل: “هل تريد أن أعدهم من الحارس إلى آخر المهاجمين”.
مسألة طبيعية، أصحاب “البارصا” لا تخفى عليهم خافية، أجر ميسي، وعدد إنذارات ماتشيرانو، وتفاصيل صفقة نيمار، واسم بنت بيكي، و…
لكن الأمر اختلف في السؤال الثاني، حين طلب موفد الموقع من شباب المدينة ذاتها ذكر خمسة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رد أحدهم بنبرة تخشّع، لكنه عجز عن ذكر اسم واحد.
وأجاب آخر: «رضي الله عنهم»، ولم يذكر غير عمر.
وقال ثالث: «عمر المختار رضي الله عنه»، وتوقف، معتذرا أنه لم يتذكر سواه.
وأردف رابع: موسى، دون أن يوضح أيهم. وذكر خامس اسم أبي بكر الرازي!؟.
كثير ممن واجههم السؤال لم يعرفوا، واعترفوا بأنهم لا يعرفون، متأسفين لجهلهم، رغم أن الاعتراف بالجهل ليس فضيلة.
واحد فقط، من شباب المدينة الكبيرة، استطاع عد أربعة أسماء: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ؟!؟.
…………
يقيني أن عددا ممن لم يعرفوا طريق المدرسة يوما، يمكن أن يعدوا عشرة من أصحاب الرسول الأكرم. لكن أن يعجز عن ذلك عدد من شباب مدننا الكبرى، في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. زمن تدفق المعلومات وغزو الأنترنيت لكثير من المنازل، فتلك أم المهازل.
يمكن توزيع المسؤولية بين الدولة والأسرة والمجتمع المدني و… فينال كل طرف فتات مسؤولية، لكن النصيب الأوفر يبقى على حساب النظام التعليمي/التجهيلي، في جانبه الرسمي ممثلا في الوزارة والبرلمان بكل فرقه المساندة والمعارضة، وفي جانبه الشعبي باعتبار رجال التعليم جزءا من الشعب، لأن المؤكد أن قسطا هاما من مسؤولية تجهيل أبنائنا راجع إلى ضعف مزمن في الضمير المهني عند بعضهم، وهو للأسف بعض كثير.
…………..
كما في كل أرض الله، عندنا عقول تفهم وتستوعب وتحفظ،، لكن بدل أن نشحنها بمعرفة تفيدها وترفعها إلى مصاف العارفين، نتركها لعملية حشو عشوائية تنتج شريحة من المتمدرسين الجاهلين، وإلا ما معنى أن يكون الشاب قادرا على الجواب بعربية سليمة، أو فرنسية أسلم، إذا أجاب أن الرازي من صحابة الرسول.
من المسؤول؟