الحكاية الأولى:
عبد الإله خياط ممتاز، أو كان خياطا ممتازا. كان يملك محلا صغيرا في حي شعبي يدر عليه ما يكفيه وأكثر. مرة اقترح عليه صديق له أن يلتحق بمصنع كبير للخياطة مقابل 10 آلاف درهم شهريا كرئيس فرع. أغراه الراتب فباع آلات الخياطة في محله والتحق بالمصنع.
بعد أقل من عام وضعت زوجته مولودا في ظروف صحية صعبة، واضطر لقضاء بضعة أيام إلى جانبها لأن أهلها في مدينة بعيدة عن طنجة. وعندما عاد إلى العمل بعد تحسن الوضعية الصحية، وجد في انتظاره قرار طرد مباشر لأنه تغيب أكثر مما هو مسموح به قانونيا. لم تنفعه التوسلات ولا الطلب الذي تقدم بها من أجل التغيب ولا الشهادات الطبية لزوجته ولا مفتشية الشغل التي تشبه جثة بلا روح.
حاول عبد الإله أن يعود لمحله لكن الأمور صارت صعبة. أصيب بإحباط حاد وبدأ يستهلك المخدرات الصلبة (البابيليتا). تحول إلى رجل ممسوخ وفقد نصف وزنه وباع محله وصرفه على المخدرات وغادرته زوجته وأصبح يخرج كل مساء يطوف الطرقات لعله يلتقي أصدقاءه القدامى ليتصدقوا عليه ببعض الدراهم، ليس لإطعام اسرته، بل لإطفاء نار إدمانه.
كان عبد الإله شابا بكثير من الطموح، ثم تحول إلى شبح لأن الباطرون لم يرحم غيابه وبقاءه إلى جانب زوجته المريضة، ولأنه قرر الانتحار عبر الإدمان.
الحكاية الثانية:
الحكاية الأخرى لربيعة، فتاة خجولة كانت تشتغل في معمل في المنطقة الحرة لميناء طنجة. صاحب المعمل له قريب يشتغل في نفس المصنع برتبة “مسؤول”، وهو يستهلك المخدرات الصلبة، وبين الفينة والأخرى يختلس مالا أو آلة أو أي شيء ليبيعه من أجل توفير جرعة صافية من الكوكايين تتجاوز أحيانا ألف درهم للغرام الواحد.
لم تقاوم ربيعة إغراءات قريب الباطرون الذي كان ينظر إليها كما لو كان ينظر إلى جرعة كوكايين مصففة بعناية على مائدة صقيلة. وعدها بالحديث مع قريبه من أجل ترقيتها مهنيا وجعلها رئيسة قسم المبيعات، وهو منصب تطمح إليه عاملات كثيرات لأنه مغر مهنيا وماديا.
ربيعة هي وحيدة أمها وتعلمت الدلال منذ الصغر، لذلك لم تلق أية معارضة حين كانت تقول لوالدتها إنها ستعمل في الساعات الإضافية ليلة كاملة.. وتفسير الواضحات من المفضحات.
ظلت ربيعة تنتظر ترقيتها بعد كل ليلة سهر تقضيها مع قريب الباطرون الأرعن. وعندما اعتقدت أنها على وشك تحقيق مرادها، جاءها قرار الطرد مباشرة من المدير، وعندما أسرعت مفزوعة إلى خليلها تسأله عما جرى، وجدت أنه تعرض للطرد أيضا بعد أن تم اكتشاف سرقات في المصنع، واتهم بارتكابها.
غادرت ربيعة المصنع مطرودة من دون أن تقدر على فعل أي شيء لأن الجميع كان يعرف تفاصيل تلك العلاقة، ولأنه تم تهديدها بالتبليغ عنها مع عشيقها بتهمة السرقة إذا لم تبلع لسانها وتنصرف في هدوء.
كان من الممكن أن تجد هذه الفتاة عملا آخر، لكنها صنعت لنفسها مصيرا آخر. ومنذ ثلاث سنوات تقريبا، تحولت ربيعة إلى مومس محترفة ووسيطة لدى تاجر كوكايين تمد به المدمنين في علب الليل وموائد القمار. هكذا كانت أحلامها صغيرة ومتواضعة جدا. كانت تريد أجرا أعلى بقليل، ومنصبا فيه قدر أقل من التعب والمهانة، فتحولت إلى داعرة.. مهنة المهانة بامتياز.