طنجة أنتر:
يتذكر كبار السن في المغرب، كيف أنه في زمن الحماية، خصوصا خلال الحرب الأهلية الإسبانية، أو خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، كان الكثير من الأوربيين يأتون إلى المغرب فيما يشبه “الحْريك” حاليا، وكلهم كانوا يبحثون عن شيء واحد.. الخبز.
كانت أوربا في تلك الأوقات الكالحة تفتقر لأبسط مقومات الحياة، وهي قطعة خبز، وكانت إفريقيا بالنسبة لهم، وخصوصا المغرب، جنة موعودة، يجدون فيها أكثر من الخبز، وأكثر من نعمة الحياة، وكثيرون يتحولون من جوعى في أوربا إلى أعيان في المغرب.
وخلال الحرب الأهلية الإسبانية، تحول المغرب، وخصوصا مدن الشمال، إلى ملجأ حالم للإسبان الهاربين من المجاعات والحروب والاضطهاد السياسي، إلى درجة أن الكثير من الإسبان كانوا يركبون قوارب الموت وقتها ويعبرون مضيق جبل طارق ويرسون في أي شاطئ في طنجة ونواحيها.. وشعارهم الدائم.. الخبز ثم الخبز، والمغرب كان يمنحهم أكثر بكثير من الخبز. اليوم..
وبعد أن مرت أيام كثيرة من تحت الجسر، صارت أوربا شيئا آخر تماما، لكن شيئا واحدا لم يتغير البتة، وهو أن المغرب بقي كما كان.. أرض الخبز بامتياز، والدليل على ذلك هو ما كشفته مؤخرا الفدرالية المغربية لأصحاب المخابز، عن كون المغاربة يرمون كل يوم 30 مليون خبزة.
هذا الرقم كان صادما للكثيرين، أي أن كل مغربي يرمي خبزة في اليوم، بينما يصل معدل إنتاج الخبز ما بين 110 و120 مليون خبزة يوميا، أي أن المغاربة يستهلكون قرابة مائة مليون خبزة كل يوم، ناهيك عن الخبز المصنوع في المنازل، وهو كثير جدا.
هذه الأرقام لا تكشف فقط عن الولاء التاريخي للمغاربة للخبز، بل تكشف أيضا عن عادات غذائية لم تتغير مع مرور الأزمنة، بحيث بقي المغاربة يستهلكون الخبز مع كل شيء تقريبا، إلى درجة أن مرور يوم واحد من دون خبز قد يشكل كارثة نفسية، قبل أن تكون غذائية، إلى الناس.
ربما يكون رقم الثلاثين مليون خبزة مرمية مرمية في القمامة أو متحولة إلى علف مناسبة لكي يبدأ الناس في تغيير بعض عاداتهم الغذائية، فالقضية في البداية والنهاية ليس مجرد قطعة خبز مرمية، بل إننا لو حسبنا درهما واحدا فقط للخبز كسعر إنتاج، فإننا نجد أنفسنا أمام 30 مليون درهم في القمامة كل يوم.. وهذا كثير جدا.