طنجة أنتر:
طنجة الماضي الدولي، طنجة التي كان لها تاريخ طبي يفوق مدن الضفة الأخرى ولائحة كبيرة من المستشفيات (بن شمول، القرطبي، المستشفى الإسباني الذي استقبل بين جدرانه الملك خوان كارلوس حينما كان وليا للعهد)، مدينة بهذا الإشعاع لا تجد اليوم مكانا لحفظ شحنة لقاح طال انتظاره.
طنجة بطولها وعرضها بمجلسها الجماعي ومندوبية صحتها وكم هائل من المسؤولين لم تستطع توفير غرفة مبردة لتخزينه!!! .
السؤال الذي يطرحه الرأي العام الطنجي الآن هو، من هذا المسؤول الذي استحال عليه إيجاد مكان للتخزين، فتفتقت عبقريته في الدقائق الآخيرة عن إبداع مثير، فأعطى أمره باستعمال ثلاجات حفظ الأموات لتخزين اللقاح.
وليكتمل الإنجاز العجيب، تم استدعاء الصحافة ووسائل الإعلام لتغطية هذه المهزلة لتكون الفضيحة عالمية، حيث تكشف المشهد عن سيناريو هيتشكوكي مشابه لأفلام الرعب، حينما اصطفت شاحنات محملة بشحنات التلقيح وسط ظلمة الليل في أطراف غابة الرهراه الموحشة بجوار مستودع الأموات ومشرحته، ثم فتحت أبوابه وأعطيت الانطلاقة لإنزال الصناديق ووضعها في ثلاجات كبيرة خاصة بحفظ الجثث.
وبعد غلق الأبواب يسود الصمت، ويبدأ توالد الأسئلة: أين هي الجهة التي تحفظ الدواء، وأين تلك التي تخفي جثث الموتى؟. إن مخرج الفيلم شارك من حيث لا يدري في فضيحة كبرى يمكن أن تستغل من قبل أعدائنا للنيل من بلدنا والتشكيك في قدراته وتلطيخ سمعة مدينتنا، وتبخيس جهود العاملين في هذا المشروع الجبار، بداية بأعلى سلطة في البلاد، وانتهاء بالمواطن الذي سيعطى الحقنة.
إن الخطأ في مثل هذه الحالة يكون غير مقبول، وخصوصا في ظل الظروف الحساسة، فنحن نعيش في عالم لم يبق قرية صغيرة، بل أصبح كل يوم أصغر مما كان . .
وأمام هذه الفضيحة ومثيلاتها المسجلة خلال الجائحة، يجب أن نحمد الله الذي لا يحمد عن مكروه سواه، لأن من حسنات كورونا أنها أسقطت ورقة التوت عمن كانوا يتوهمون أنفسهم كبارا تطاول أعناقهم رؤوس الجبال، فأظهرهم الكائن الميكروسكوبي بحجمهم الحقيقي، وأنهم ينقصهم الكثير من التواضع، وتنقصهم التجربة ليس في التسيير والتدبير فقط، بل حتى في مجال التواصل.
فلا يمكن لعاقل أن يربط صورة لقاح يمثل خيط الحياة الرفيع وحبل النجاة للخروج من الكارثة بصورة الموت عبر عرض أهوال مستودع الأموات ومرفقاته.
ساكن طنجة اليوم في أمس الحاجة إلى رسائل إيجابية تساعده على الخروج من مربع الخوف والتشبث بالحياة. فالحي دائما أبقى من الميت، جملة لا يعرفها مسيرو المدينة. الحياة أولى من الموت لكن، مجالس المقاطعات لديها سيارات لنقل الأموات فقط، ولا تملك سيارات إسعاف تنقذ حياة الناس، وحتى إن امتلكتها، فعليك تأدية ثمن الوقود.
المواطن في لحظة الشدة لا يجد سيارة إسعاف تنقذ حياته، لأن أسماك قرش قطاع الإسعاف الخاص تفرض أثمنة خيالية للانتقال داخل المدينة تتراوح بين 400 و600 درهم للانتقال عبر مسافة يؤدى عنها مبلغ يتفاوت بين 7 و11 درهما إذا تم استعمال سيارة “طاكسي”، علما أن هناك سيارات إسعاف مهترئة لا يفصلها عن عربات نقل البضائع إلا الأضواء والمنبهات ولون الصباغة، ومنها عدد كبير مستورد مستعمل من الخارج بعد أن تم التخلي عنها هناك بعد انقضاء عمرها الافتراضي.
الكل الآن مبتهج ومتفائل بحصول المغرب على اللقاح ووصول شحنة مدينة طنجة، إلا أن أحدهم أبى إلا أن يفسد تلك الفرحة، حينما قام بهذا الفعل الطائش، لما قرر تخزين اللقاح بمكان الموتى.
وحتى بعد أن تم إنقاذ الموقف من خلال نقله إلى معهد باستور، فللناس ذاكرة ومعتقدات تتعلق بالتشاؤم والتطير رغم أنه حرام. فرجاء أبعدوا العشوائيين والسلبيين عن الطريق المؤدي إلى الخروج من نفق كورونا.
عن “المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين”
تعليق واحد
مقال في الصميم جزاك الله خيرا على هاده الكلمات