طنجة أنتر:
هناك بعض الأحلام التي تستمر طويلا، ربما بسبب عناد الحالمين وربما بسبب فشلهم أيضا، وهذا هو حال مشروع الربط القار بين المغرب وإسبانيا غبر مضيق جبل طارق، والذي بدأ قبل أربعين عاما حين زار الملك الإسباني السابق، خوان كارلوس الأول، المغرب، والتقى العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني.
وقتها تفاهم الملكان على إعداد دراسة مشتركة لمشروع الربط القاري، ووقّعا اتفاقية أُنشئَت بموجبها شركتان مغربية وإسبانية لإنجاز تلك الدراسات.
وعام 1989 وُقّعَت اتفاقية ثانية بين البلدين مهّدَت الطريق لكليهما لإقامة تعاون أوسع، مانحة دفعة جديدة لتطوير مشروع الربط البري والشروع بإجراء التحقيقات الجيولوجية والجيوتقنية الهامة، من خلال إنجاز آبار بحثية عميقة في نقط مختلفة من قعر المضيق.
ولإنجاز المشروع طُرحت حلول تقنية عديدة، من ضمنها أن يكون جسراً معلَّقاً على دعامات ثابتة، أو جسراً معلقاً على دعامات عائمة، أو نفقاً مغموراً مدعوماً في قاع البحر، أو نفقاً محفوراً أو نفقاً عائماً مغموراً. غير أن طبيعة التيارات المائية والهوائية في المضيق، كطبيعته الزلزالية لكونه ملتقى للصفائح التيكتونية الإفريقية بالأورو-أسيوية، رجّحَت تصوُّر النفق الحديدي المحفور.
وخلق حدث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تنافساً شرساً حول المشروع، إذ عبرت لندن عن اعتزامها بجديةٍ إنشاءَ ربط قارّيّ مع إفريقيا، للاستفادة اقتصادياً من التبادل التجاري الأوروبي-الإفريقي، بعد فكّ ارتباطها مع السوق الأوروبية المشتركة، مما أثار حفيظة مدريد التي رأت دخول المملكة المتحدة على الخط تهديداً لنفوذها الجيوسياسي والاقتصادي في المنطقة.
وفي 2021 عُقدَت اجتماعات رفيعة المستوى عبر تقنية الفيديو بحضور وزير التجهيز والنقل المغربي السابق عبد القادر عمارة ووزير النقل الإسباني خوسيه لويس أوبالوس لتدارس الموضوع. وخلص اللقاء وقتها إلى إدراج الموضوع مرة أخرى في اجتماع حكومي دولي مختلَط، قبل أن تقطع الأزمة الدبلوماسية بين الرباط ومدريد العلاقات بين البلدين، ويؤجَّل ذلك حتى إشعار آخر.
ويبدو أن هذا الحلم الذي وصل الأربعين، سيحتاج لسنوات طويلة من أجل تحقيقه، وربما قد يتحقق بعد أن يصل مرحلة الشيخوخة، وبذلك سيكون أحد الأحلام الأطول عمرا في العالم.