طنجة أنتر:
السوق دبرّا، أو السوق البراني، مكان تجمع فيه ما تفرق في غيره، أو المكان الذي تجتمع فيه كل الأمكنة، والمكان الذي يرمز لطنجة المختلفة والمنفتحة على خارجها. إنها النافذة التي كانت تطل من خلالها طنجة على ضواحيها وسكانها القريبين.
السوق دبرّا هو نقيض السوق الداخل. في السوق الداخل كانت ساحة سنترال مجْمع نخبة طنجة في العهد الدولي، وفي السوق دبرّا كان يتجمع أهالي الضواحي والتجار والقادمون إلى المدينة بحثا عن عمل أو حظ أو أي شيء.
السوق البراني لم يكن في البداية سوى ساحة قريبة من أبواب المدينة، وبما أن طنجة في الماضي كانت مثل منزل محترم، وكانت أبوابها تقفل بعد صلاة المغرب بقليل، فإن كثيرين ممن يصلون المدينة متأخرين كانوا يضطرون للمبيت خارج أسوارها العالية، وآخرون كانوا يصلون المدينة في عز الليل فيجدونها مقفلة، فيضطرون للانتظار حتى الصباح، أي حتى تفتح المدينة أبوابها، وبالخصوص “باب الفحص”، الذي كان هو الباب الرئيسي للمدينة. غير أنه خلال ساعات الانتظار لم تكن الأمور تمر دائما بخير، حيث كان قطاع الطرق يستغلون إقفال أبواب المدينة لكي ينكّلوا بالمتأخرين، فكان لا بد من إيجاد حل، إما فتح أبواب المدينة ليلا ونهارا، أو وضع أمكنة خاصة للمتأخرين حتى لا يكونوا لقمة سائغى في أيدي عصابات السلب.
مع مرور الوقت صار السوق البراني يفتح عيونه على المصالح الاقتصادية، فصارت فيه خيام يبيت فيها الناس بالمقابل، ومع مرور الوقت بنيت فيه منازل وأكواخ عوض الخيام، ثم صار مع مرور الوقت سوقا مفتوحا لكل شيء، فيه تباع الخضر والدواب وكل الأشياء. وهكذا تحول السوق البراني من لا مكان إلى مكان حقيقي.
السوق البراني هو أيضا المكان النقيض للسوق الداخل، ففي هذا الأخير كان عشاق الصفقات والربح السريع والمشرئبة أعناقهم نحو تجارة ما وراء البحار، بينما في السوق البراني يبيع الناس النعناع والقزْبور والبطاطس و”الجّعدة” لكي يعودوا مساء إلى ديارهم بحفنة من السنتيمات.
في نهاية القرن التاسع عشر بدأ هذا المكان يتحول من ساحة قفر إلى سوق أسبوعي، واتسعت شهرته شيئا فشيئا حتى أصبح، مع مطلع القرن العشرين، قبلة للبائعين من أحواز طنجة وبواديها، ثم صارت الساحة مكانا مفضلا لإقامة الحفلات والاستعراضات، وتحولت شيئا فشيئا إلى امتداد طبيعي للمدينة، وفيها أقيم مقر المندوب الدولي، ثم مقبرة بوعراقية بعد أن ضاقت مقابر المدينة، وفيها أقيم مسجد سيدي بوعبيد، وفيها مقر الشرطة.. ومستشفى.. وأشياء أخرى.