طنجة أنتر:
أعاد الاجتماع رفيع المستوى المغرب-إسبانيا مشروع النفق البحري الرابط بين المغرب وإسبانيا عبر مضيق جبل طارق إلى الواجهة، حيث كان المشروع محل نقاش خلال مباحثات التي جمعت كلا من نزار بركة، وزير التجهيز والماء، ومحمد عبد الجليل، وزير النقل واللوجيستيك، ووزيرة النقل والبرامج الحضرية الإسبانية راكيل سانشيث خيمينيث، أمس الخميس.
وأعاد التقارب الحاصل بين الرباط ومدريد فتح ملف النفق البحري الرابط بينهما، بعد 43 عاماً من اقتراحه أول الأمر، وتناسيه حتى خيل أنه مشروع “ولد ميتاً”، في خضم العراقيل التي تعترضه وتذبذب العلاقات بين البلدين، حيث أسفرت المباحثات بين الجانبين عن التزام الأطراف بـ”تحديد موعد في الأيام المقبلة لاجتماع اللجنة المشتركة، من أجل مناقشة الخطوات المقبلة بخصوص مشروع الربط الثابت بين إسبانيا والمغرب عبر مضيق جبل طارق”.
فيما نقلت وسائل إعلام إسبانية عن الوزيرة الإسبانية راكيل سانشيث خيمينيث قولها “سوف نعطي دفعة للدراسات الخاصة بمشروع الربط الثابت لمضيق جبل طارق الذي بدأه كلا البلدين منذ أربعين عامًا”، واصفة المشروع بـ”لإستراتيجي لإسبانيا والمغرب وأيضًا لأوروبا وإفريقيا”.
وكانت صحيفة La Razón الإسبانية قد فتحت ملف مشروع المعبر البري بين أوروبا وإفريقيا عبر مضيق جبل طارق، متسائلة وقتها، “هل الخطوة التي اتخذتها إسبانيا لتحسين علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب مفتاح الدفع النهائي الذي يحتاج إليه المشروع لبناء خط رابط ثابت عبر مضيق جبل طارق؟”.
وأضافت أنه خلال الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز للرباط في أبريل ولقائه الملك محمد السادس “أشادت وسائل إعلام مغربية بالاجتماع وإمكانية استئناف المشاريع القديمة المعلقة بين الملكيتين، بما في ذلك بناء نفق للسكك الحديدية يربط ضفتَي المضيق”، مؤكدة أن مشروع النفق “لم يُدفَن رغم عدم ذكره في الأشهر الأخيرة”.
هذا ونقلت الصحيفة عن مسؤول في شركة SECEGSA الإسبانية المسؤولة عن دراسة المشروع تكهُّنه بأن مشروع النفق سيكون جاهزاً بين عامَي 2030 و2040 وسيبلغ مساره 42 كيلومتراً، منها 27.7 كيلومتر في نفق تحت الماء و11 كيلومتراً في نفق تحت الأرض، رابطاً بين رأس بالوما في طريفة الإسبانية ورأس مالاباطا في خليج طنجة.
حلم عمره 40 عاماً
وتعود أول مرات طرح مشروع الربط البري بين أوروبا وإفريقيا عبر جبل طارق إلى زيارة العاهل الإسباني خوان كارلوس للمغرب في 16 يونيو 1979، ولقائه الملك الراحل الحسن الثاني. وقتها تفاهم العاهلان على إعداد دراسة مشتركة لمشروع الربط القاري، ووقّعا اتفاقية أُنشئَت بموجبها شركتان مغربية وإسبانية لإنجاز تلك الدراسات.
وعام 1989 وُقّعَت اتفاقية ثانية بين البلدين مهّدَت الطريق لكليهما لإقامة تعاون أوسع، مانحة دفعة جديدة لتطوير مشروع الربط البري والشروع بإجراء التحقيقات الجيولوجية والجيوتقنية الهامة، من خلال إنجاز آبار بحثية عميقة في نقط مختلفة من قعر المضيق.
ولإنجاز المشروع طُرحت حلول تقنية عديدة، من ضمنها أن يكون جسراً معلَّقاً على دعامات ثابتة، أو جسراً معلقاً على دعامات عائمة، أو نفقاً مغموراً مدعوماً في قاع البحر، أو نفقاً محفوراً أو نفقاً عائماً مغموراً. غير أن طبيعة التيارات المائية والهوائية في المضيق، كطبيعته الزلزالية لكونه ملتقى للصفائح التيكتونية الإفريقية بالأورو-أسيوية، رجّحَت تصوُّر النفق الحديدي المحفور.
ومثلت كذلك العوائق المالية عقبة أمام إنجاز المشروع، إذ رفضت المفوضية الأوروبية سنة 2008 طلباً بإدراجه في سياسة شبكة النقل الأوروبية، بدعوى المخاطر الجيوستراتيجية والأمنية للربط البري بين القارتين، ما مثل صدمة لمروّجي المشروع.
وخلق حدث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تنافساً شرساً حول المشروع، إذ عبّرَت لندن عن اعتزامها بجديةٍ إنشاءَ ربط قارّيّ مع إفريقيا، للاستفادة اقتصادياً من التبادل التجاري الأوروبي-الإفريقي، بعد فكّ ارتباطها مع السوق الأوروبية المشتركة، مما أثار حفيظة مدريد التي رأت دخول المملكة المتحدة على الخط تهديداً لنفوذها الجيوسياسي والاقتصادي في المنطقة.