طنجة أنتر:
في المباراة التي جمعت اتحاد طنجة بنهضة بركان في ملعب ابن بطوطة، عاشت جماهير الفريق حدثا استثنائيا، ليس فقط في الانتصار الملحمي للفريق الطنجاوي، بل أيضا في تكريم امرأتين ورجل، كان حضورهم في الملعب لافتا في مباراة اتحاد طنجة وأولمبيك خريبكة.
وبدا لافتا تكريم رجل بلحية بيضاء ظهر وسط العشرات من طلبة القرآن جاؤوا إلى الملعب للفرجة والمتعة، وأيضا للدعاء مع فريق يقاوم من أجل البقاء، ويحتاج للأداء البطولي والبقيات الصالحات.
كثيرون قد يعتقدون أن وجود رجل بلحية بيضاء بين طلبة القرآن في ملعب الكرة حالة عابرة أو ظاهرة استثنائية، لكن طنجة لها تاريخها المتفرد، وهي أن كرة القدم فيها، مثل أشياء كثيرة، مسألة تتوارثها الأجيال، والرجل الذي ظهر بين طلبة القرآن يثبت هذه الظاهرة.
الرجل، عبد الحميد القبعي، المعروف باسم حميد السوسي، الذي ظهر في الصورة، واحد من صناع ذاكرة كرة القدم في طنجة، وهو أيضا أحد أبرز رجال التربية والتعليم بالمدينة، وفي المغرب عموما، فقد كون أجيالا من الأساتذة، خصوصا في شعبة اللغة الإنجليزية، قبل أن يتفرغ، بعد تقاعده، لتأطير طلبة القرآن في مسجد عمر الخطاب بحي مسترخوش.
عبد الحميد، المعروف باسم حميد السوسي، مجاز في شعبة اللغة الإنجليزية من جامعة محمد الخامس بالرباط، أستاذ السلك التأهيلي، ودرس اللغة الإنجليزية في عدد من المدن، مثل بلقصيري وأصيلة ثم في مدينته طنجة، حيث درس في أبرز ثانويات المدينة مثل ثانوية ابن الخطيب وثانوية علال الفاسي، قبل أن ينهي مشواره الأكاديمي الطويل.
كان الأستاذ عبد الحميد أيضا أستاذا بالمركز التربوي الجهوي بطنجة لما يزيد عن 10 سنوات، وأستاذ بالمعهد العالي للعلوم التطبيقية ISTA ومعهد FST.
غير أن مهارات الرجل لا تقتصر على المجال الأكاديمي، فقد كان واحدا من أبرز لاعبي كرة القدم بطنجة، وهو لاعب مهاري بامتياز، ولعب لسنوات طويلة لفريق سانتوس مسترخوش، الذي يعتبر واحدا من أعرق فرق كرة القدم في المدينة، وضم في عدد من فتراته لاعبين طنجاويين من أصول إسبانية، لأن هذا الحي كان نموذجا في تعايش السكان من مختلف الأديان والأعراق، وبه أقدم كنائس طنجة، وعلى ترابه جرت ملاحم بطولية في التصدي للغزاة البرتغاليين والإنجليز وغيرهم.
كان فريق سانتوس مسترخوش يتألف من لاعبين متألقين مثل محمد الطائع وحمادة الفاسي ورشيد الشراط وحميدو اليدري وفريد حمادي وعبد الرفيع العمري وحميد القبعي وحسن الأموي وغيرهم، وهم لاعبون مارسوا أيضا في فرق طنجاوية ومغربية. كما أن المطرب الشهير، محسن جمال، يعتبر أحد الوجوه البارزة التي لعبت في صفوف سانتوس مسترخوش.
وقبل هذا الجيل كان فريق سانتوس مسترخوش يتألف من لاعبين من الجيل الأول مثل إدريس النفاري وعبدو البقيوي والشريفا ومحمد البكدوري وحسن التشريشق وأحمد السوسي وعبد الحي العمري ومحسن بنسالم والشريف حلحول وغيرهم.
يعرف حميد السوسي بطيبوبته ودماثة خلقه وتفانيه في خدمة الصالح العام، وهو المنحدر من أسرة طنجاوية عريقة، ولا يزال حتى اليوم مرتبطا بهوايته الأزلية، كرة القدم، التي يمارسها في ملاعب القرب، خصوصا في ملاعب درادب.
حاليا يشغل عبد الحميد نائب رئيس جمعية التعليم العتيق بمسجد عمر ابن الخطاب بحي مسترخوش، وهو رجل متطوع وخدوم ويفضل الاشتغال في الظل، ومن حسن الحظ أن الكاميرا أخرجته من الظل لتثبت أن هذه المدينة غنية بأبنائها وخيرة رجالها، وأن المطلوب هو خير خلف لخير سلف.