طنجة أنتر – أ. مرادي:
في زمن ما كان الطنجاويون يلهجون بالدعاء “الله يعمّرك آطنجة”.. وربما كان الدعاء نتيجة لقلة عدد سكان المدينة وقتها، أو أنه كان نوعا من السخرية بسبب استقبال المدينة باستمرار لأناس من كل حدب وصوب.. كثيرون يستحقون المقام فيها.. وكثيرون مثل كلاب مفترسة.
في كل الأحوال فإن الذين كانوا يدعون بان تمتلئ طنجة هم أولى ضحايا هذا الامتلاء، ففي النهاية لم يعد لهم مكان، ولا حتى لأبنائهم وأحفادهم، فقد صارت المدينة وحشا يأكل الأخضر واليابس، وقضى وحوش العقار ولصوص المال العام وتجار المخدرات على الأشياء الجميلة في المدينة.
كانت طنجة مدينة بسيطة وعفوية يجد الجميع مكانه فيها، وكانت المتنزهات والأماكن الخضراء تنافس متنزهات أوربا، والناس يعيشون في هناء وراحة بال، قبل أن يظهر الهمج من لصوص المال العام وتجار المخدرات والمسؤولين الأوغاد الفاسدين الذين بنوال لأنفسهم القصور وحولوا طنجة إلى كتلة من الأسمنت والعشوائيات.
لهذه الأسباب يبدو افتتان أهل طنجة واضحا بصور الماضي، إنها ليست مجرد صور، بل إنها فلسفة خاصة للحياة ورؤية الكون واحتجاج على ما جرى، فالصور لا تعكس فقط ذلك الحنين العادي إلى زمن مضى، بل تعكس سخطا على ما جرى لمدينة بيعت في سوق النخاسة، ولا يزال الكثير ممن باعوها أو تاجروا فيها يتبوؤون مناصب المسؤولية ويستمتعون بالمال القذر الذي جنوه من حقارتهم.
اليوم صارت طنجة مقلقة أكثر من اللازم، ضجيجها لا يطاق ومشاكلها بلا حد، أما اللصوص فلا زالوا يسرقون وينهبون، وفي كل مكان تريد أن ترتاح فيه يجب أن تؤدي الثمن، إن لم يكن لك فلسيارتك أو لألعاب أطفالك.. المهم.. ادفع واجلس.
وقديما قال أجدادنا.. الله يعمرك آطنجة.. ولم يكونوا يعرفون أنهم سيتسببون لنا في عدم العثور على مكان آمن ومجاني وهادئ لكي نجلس.. !